فوزي البكري وديوان قناديل
عن صحيفة المنار 19-5-1997 صفحة7
فوزي البكري (شاعر القدس) في ديوانه: "قناديل على السور الحزين"
بقلم رزق صفوري
يقع ديوان "قناديل على السور الحزين" في 123 صفحة من القطع المتوسط... رسم لوحة الغلاف الفنان الفلسطيني عدنان الزبيدي.. وأهدى الشاعر ديوانه: إلى أرواح شهدائنا البررة، وروح والده، وإلى أبناء الشعب الفلسطيني..
كتب المقدمة الأديب الفلسطيني أحمد حسين. يشمل الديوان على ثلاثين قصيدة، وأول ما يشدك في هذا الديوان تدفقه، ومصداقيته، وسلاسته، فهو كالماء الزلال في صفاته، وهو كالشلال الهادر في تدفقه، فلا أثر فيه للصناعة، ولا إلى كد القريحة، بل ينتهي إلى لبِّك بغير عناء، ويمتزج بروحك كأنه كان في نفسك محجوباً خفياً، حتى إذا جلاه لك الشاعر ملت إليه بفؤادك، وأقبلت عليه بجميع جوارحك، وما ذاك إلا أنه إنتاج النفس الشاعرة.
لقد لامست مأساة الوطن قلبه، فانطلق بصور أحاسيسه تصويراً تلمس الصدق في كل كلمة من قصائده.. الصدق الذي يكشف لنا عن هول المأساة التي يعيشها هذا البلد، ويجعلنا نحس مع الشاعر بدفق الأحاسيس، وصخب المشاعر وثورة الحق على الباطل، فهناك في أعماق شاعرنا مأساة عميقة الجذور: إنها مأساة الوطن.
وشاعرنا لم يقف أمام مشاكل الحياة وجها لوجه فحسب، بل واجه أيضاً ظروف المأساة الحادة بكل أبعادها، وأخذ منها انعكاس تفاعلها الفردي، إلى جانب التفاعل القومي العام.
يقول في بعض مقاطع قصيدة "قناديل على السور الحزين":
يا أنبياء الفقر والصمود
في قدسنا القديمة
لو تعلمون
أن قطعة من الزجاج
مكسور على بلاطة
في صحن صخرة المعراج
هي الوطن
*****
لو تعلمون
أن بحة الناقوس
وآهة الآذان
في بلدة مقطوعة الآذان
هما الوطن
*****
لو تعلمون
أن شمعة باكية سقيمة
تضيئها راهبة
في الجمعة اليتيمة
هي الوطن
*****
لو تعلمون أنكم
يا أنبياء الفقر والصمود
في البلدة القديمة
أنتم الوطن
نبذة عن حياة الشاعر
قضى شاعرنا معظم حياته في خدمة الأدب.. أخلص حتى النهاية في خدمة طلابه وتوجيههم التوجيه السليم... ويمكن القول أنه كان مثالياً في التزاماته هذه عندما كان مربياً في المدرسة العمرية...
قدم الكثير من جهده للشعر بفضل سعة الإطلاع، ومواصلة البحث والتقصي، واستطاع من خلال أعماله أن يكون من رواد الشعر الفلسطيني بكل ما في هذه الكلمة من معايير الصدق والوفاء.
كان يدرك الحقيقة، حقيقة الواقع والعوامل التي تعصف بوطنه، الأمر الذي جعله يعمل، ويعمل. وان كان ثمة دلالة واضحة، أو شهادة تخصص لأعماله، فهي تتلخص في أنه من خلال قصائده كان يفجر الحالة إلى حالات، يوزع الشرارة فإذا هي نار حامية.
وباختصار إنها مسيرة أدبية طويلة، وعطاء متواصل، وجهد يعبر عن ذاته، ويفصح عن مكنونه، وقد تم هذا رغم الظروف الصعبة والمعاناة التي يعيشها أبناء هذا الوطن. إنه ديوان يحق لكل مواطن الإطلاع عليه، لأنه جدير بالمطالعة.
يقول " الفرد دي موسيه": لا شيء يجعل نفوسنا كباراً كالألم العميق.
كلمة لا بد منها
ويحسن بنا أن نوضح في هذا المجال، أن الحركات والمؤسسات الأدبية تتخذ من أفكارها وأدبياتها في حواراتها وكتاباتها المصداقية على صحتها، ولا تأخذ بمصداقية المحاور أو الكاتب الآخر... بمعنى أنها تتخذ من أفكارها التي كونتها على أسس غير علمية ومنطقية في أحيان كثيرة على أنها الأفكار الأصح، لا على ضوء النظريات العلمية والمنطق, وإنما على ضوء الفكر الذي تتسلح به هذه الفئة أو تلك، حتى لو ثبت علمياً أن الرأي الأخير هو الصحيح.
فالتعصب الحزبي، أو التنظيمي، أو الفئوي، خلق حالة الرفض هذه... وهذا التعصب يفرز أول ما يفرز الرفض للرأي الآخر... ومقياس الرفض لا يخضع لمنطقية وعلمية الرأي، وإنما لاختلاف الانضواء المؤسساتي...
لهذا كثيراً ما نسمع مصطلحات وآراء في الرأي الآخر تعبر عن الرفض له ليس لأنه على خطأ، بل لأنه صدر عن الطرف الآخر فقط... ومن حقنا أن نسأل لماذا ترفض هذه المؤسسات الرأي الآخر وتستشرس في معاداته؟ وبخاصة إذا كان تحليلياً نقدياً وعلمياً؟
فالمفكر، والأديب، والمواطن، حر في التعبير عن آرائه، وهو مسؤول عن ذلك أمام شعبه، وقضيته، وليس أمام أية فئة تحاول الرفض والتسلط..!!
آخر الكلام:
-أبشع أنواع الحب على الإطلاق: حب المصلحة الشخصية.
رزق صفوري "أبو دياب / القدس"
الشاعر في سطور
** ولد الشاعر فوزي البكري في مدينة القدس عام 1946. درس الأدب العربي سنة جامعية واحدة، ولكن ظروف حرب 1967 حالت دون مواصلة الدراسة. تتلمذ على والده، المناضل الفلسطيني المرحوم الشيخ ياسين البكري، ثم تولى تثقيف نفسه وصقل موهبته حتى أصبح شاعر القدس، عمل في التدريس بضع سنوات، ثم عمل صحفياً ومحرراً في عدد من الصحف المحلية. يعمل حالياً محرراً ومدققاً للمطبوعات في جمعية الدراسات العربية. صدرت مجموعته الشعرية الأولى تحت عنوان "صعلوك في القدس القديمة" في أواسط الثمانينات عن "دار الصوت" للنشر في الناصرة. أصدرت له جمعية الدراسات في سنة 1987 كراسة شعرية تضم ثلاث قصائد بعنوان "شدي حيلك يا بلد".
فوزي البكري (شاعر القدس) في ديوانه: "قناديل على السور الحزين"
بقلم رزق صفوري
يقع ديوان "قناديل على السور الحزين" في 123 صفحة من القطع المتوسط... رسم لوحة الغلاف الفنان الفلسطيني عدنان الزبيدي.. وأهدى الشاعر ديوانه: إلى أرواح شهدائنا البررة، وروح والده، وإلى أبناء الشعب الفلسطيني..
كتب المقدمة الأديب الفلسطيني أحمد حسين. يشمل الديوان على ثلاثين قصيدة، وأول ما يشدك في هذا الديوان تدفقه، ومصداقيته، وسلاسته، فهو كالماء الزلال في صفاته، وهو كالشلال الهادر في تدفقه، فلا أثر فيه للصناعة، ولا إلى كد القريحة، بل ينتهي إلى لبِّك بغير عناء، ويمتزج بروحك كأنه كان في نفسك محجوباً خفياً، حتى إذا جلاه لك الشاعر ملت إليه بفؤادك، وأقبلت عليه بجميع جوارحك، وما ذاك إلا أنه إنتاج النفس الشاعرة.
لقد لامست مأساة الوطن قلبه، فانطلق بصور أحاسيسه تصويراً تلمس الصدق في كل كلمة من قصائده.. الصدق الذي يكشف لنا عن هول المأساة التي يعيشها هذا البلد، ويجعلنا نحس مع الشاعر بدفق الأحاسيس، وصخب المشاعر وثورة الحق على الباطل، فهناك في أعماق شاعرنا مأساة عميقة الجذور: إنها مأساة الوطن.
وشاعرنا لم يقف أمام مشاكل الحياة وجها لوجه فحسب، بل واجه أيضاً ظروف المأساة الحادة بكل أبعادها، وأخذ منها انعكاس تفاعلها الفردي، إلى جانب التفاعل القومي العام.
يقول في بعض مقاطع قصيدة "قناديل على السور الحزين":
يا أنبياء الفقر والصمود
في قدسنا القديمة
لو تعلمون
أن قطعة من الزجاج
مكسور على بلاطة
في صحن صخرة المعراج
هي الوطن
*****
لو تعلمون
أن بحة الناقوس
وآهة الآذان
في بلدة مقطوعة الآذان
هما الوطن
*****
لو تعلمون
أن شمعة باكية سقيمة
تضيئها راهبة
في الجمعة اليتيمة
هي الوطن
*****
لو تعلمون أنكم
يا أنبياء الفقر والصمود
في البلدة القديمة
أنتم الوطن
نبذة عن حياة الشاعر
قضى شاعرنا معظم حياته في خدمة الأدب.. أخلص حتى النهاية في خدمة طلابه وتوجيههم التوجيه السليم... ويمكن القول أنه كان مثالياً في التزاماته هذه عندما كان مربياً في المدرسة العمرية...
قدم الكثير من جهده للشعر بفضل سعة الإطلاع، ومواصلة البحث والتقصي، واستطاع من خلال أعماله أن يكون من رواد الشعر الفلسطيني بكل ما في هذه الكلمة من معايير الصدق والوفاء.
كان يدرك الحقيقة، حقيقة الواقع والعوامل التي تعصف بوطنه، الأمر الذي جعله يعمل، ويعمل. وان كان ثمة دلالة واضحة، أو شهادة تخصص لأعماله، فهي تتلخص في أنه من خلال قصائده كان يفجر الحالة إلى حالات، يوزع الشرارة فإذا هي نار حامية.
وباختصار إنها مسيرة أدبية طويلة، وعطاء متواصل، وجهد يعبر عن ذاته، ويفصح عن مكنونه، وقد تم هذا رغم الظروف الصعبة والمعاناة التي يعيشها أبناء هذا الوطن. إنه ديوان يحق لكل مواطن الإطلاع عليه، لأنه جدير بالمطالعة.
يقول " الفرد دي موسيه": لا شيء يجعل نفوسنا كباراً كالألم العميق.
كلمة لا بد منها
ويحسن بنا أن نوضح في هذا المجال، أن الحركات والمؤسسات الأدبية تتخذ من أفكارها وأدبياتها في حواراتها وكتاباتها المصداقية على صحتها، ولا تأخذ بمصداقية المحاور أو الكاتب الآخر... بمعنى أنها تتخذ من أفكارها التي كونتها على أسس غير علمية ومنطقية في أحيان كثيرة على أنها الأفكار الأصح، لا على ضوء النظريات العلمية والمنطق, وإنما على ضوء الفكر الذي تتسلح به هذه الفئة أو تلك، حتى لو ثبت علمياً أن الرأي الأخير هو الصحيح.
فالتعصب الحزبي، أو التنظيمي، أو الفئوي، خلق حالة الرفض هذه... وهذا التعصب يفرز أول ما يفرز الرفض للرأي الآخر... ومقياس الرفض لا يخضع لمنطقية وعلمية الرأي، وإنما لاختلاف الانضواء المؤسساتي...
لهذا كثيراً ما نسمع مصطلحات وآراء في الرأي الآخر تعبر عن الرفض له ليس لأنه على خطأ، بل لأنه صدر عن الطرف الآخر فقط... ومن حقنا أن نسأل لماذا ترفض هذه المؤسسات الرأي الآخر وتستشرس في معاداته؟ وبخاصة إذا كان تحليلياً نقدياً وعلمياً؟
فالمفكر، والأديب، والمواطن، حر في التعبير عن آرائه، وهو مسؤول عن ذلك أمام شعبه، وقضيته، وليس أمام أية فئة تحاول الرفض والتسلط..!!
آخر الكلام:
-أبشع أنواع الحب على الإطلاق: حب المصلحة الشخصية.
رزق صفوري "أبو دياب / القدس"
الشاعر في سطور
** ولد الشاعر فوزي البكري في مدينة القدس عام 1946. درس الأدب العربي سنة جامعية واحدة، ولكن ظروف حرب 1967 حالت دون مواصلة الدراسة. تتلمذ على والده، المناضل الفلسطيني المرحوم الشيخ ياسين البكري، ثم تولى تثقيف نفسه وصقل موهبته حتى أصبح شاعر القدس، عمل في التدريس بضع سنوات، ثم عمل صحفياً ومحرراً في عدد من الصحف المحلية. يعمل حالياً محرراً ومدققاً للمطبوعات في جمعية الدراسات العربية. صدرت مجموعته الشعرية الأولى تحت عنوان "صعلوك في القدس القديمة" في أواسط الثمانينات عن "دار الصوت" للنشر في الناصرة. أصدرت له جمعية الدراسات في سنة 1987 كراسة شعرية تضم ثلاث قصائد بعنوان "شدي حيلك يا بلد".