العودةُ في النار
لماذا يرْفضُ الموتُ هُنيْهاتٍ مِنَ الصّحْوِ يَرى المنفيُّ فيها أنّهُ عادَ فيبقى وَحدَهُ في القَبْرِ، لا وَطنٌ ولا مَنفى؟!
سَيُسْالُ – ساعُ التّنفيذِ لا تَعنيهِ – عَنْ أسماءِ مَنْ وُلِدوا وَعَنْ حَيفا،
وَمَنْ ماتُوا...
فإنَّ الصّحوَ مِثلُ المَوْتِ يُغلقُ بابَ شقّتِهِ وراءَ جميعِ مَنْ دخلوا – وَلا يُبقي وَراءَ سِتارَةِ الذّكرى سِوى أمٍّ تَدقُّ بِجَفنِ عيْنَيْها على بَوّابَةِ الموْتى!
خارِجٌ مِنْ غرفةِ التشريحِ لا يَحْملُ عُذرًا لاِمْرأة
مَعهُ الرّحلةُ في التابُوتِ وَالوَجْهُ رِسالة
الّذي كانَ... تذكّرْ!
وَالّذي يأتي... تذكّرْ!
يَقتُلُ العِشقُ... وَأكثَرْ!
يَكادُ الدّمْعُ... هذا العِشقُ مجْنونٌ، لقدْ ماتَتْ. رَآها اللهُ عاريَةً على السفّودِ لمْ ينبِسْ ببنْتِ شَفَة
لقدْ ماتَتْ.
وكانَ اللهُ يعشَقُها، وَأكثرَ مِنْكْ
وَقالَ الشِّعرُ يُغويها
فأغوى شِعرُهُ الغرَباءَ والقُرصانَ وَالتُّجارْ
فكانَ اللهُ يذبَحُهمْ على الشاطئْ
وَعنْدَ مَنابعِ الأنْهارْ
وَيُعْطيها
وَلكنْ قالَ قُرْبَ نهايَةِ الدّنيا
أُبَدِّدُ فيكِ حتّى الشِّعْرَ، حتّى العِطْرَ، حتّى الزّهْرْ
يُلاحقُ وَجْهَكِ الإسْمَنْتُ وَالغُرَباءُ وَالموْتى
وَمَنْ يَهْواكِ بَعدَ السّبْيِ أجْعلُ جِسْمَهُ مَنْفى.
كيْفَ جاؤوا بِالدُّخانْ!
وَلمْ يكنْ بيني وَبينَ النّارِ في الغُرفَةِ شيءْ.
كانَتِ النّارُ احْتكاكَ الحُلْمِ بِالصّحراءِ، كانَتْ لَمْعةَ الدّهْشةِ في المِرْآةِ كانَتْ ذلكَ الخوْفَ مِنَ التصْديقِ...
كانَتْ صَعْقةَ الكشْفِ على وَجْهِ دِمَشقْ.
كيْفَ جاؤوا بِالدُّخانْ!
كانَتِ النّارُ مِنَ السِّجْنِ رِسالة
أعْطِني حيْفا لأبْكي
وَخُذِ الشامَ لتَسْهَرْ
يَقتُلُ العِشقُ وَأكْثرْ!
يَضيعُ الحُبُّ بَينَ القلبِ وَالشفتَيْنِ، بَينَ القلبِ وَالعَينيْنِ، هَلْ تنسى!
غَريبٌ أنتَ، أينَ ذهبْتَ، أرْضُ الناسِ أنتَ المشْيُ في جَسَدٍ مِنَ المنْفى.
حَذارِ هَوادِجَ الصحْراءِ، ذاكَ العالَمُ المنبوذُ خَلفَ العصْرِ كالمَبْغى.
حَذارِ دِمَشقَ لا تَخْدَعْكَ الفُصْحى
حَذارِ مَدائنَ الأسْرى
حَذارِ مَدائنَ الأسْرى!
كانَتِ النارُ انْسِيابَ العِشقِ في الصّيفِ وَلوْنَ البُرتُقالْ
كانَتِ النّارُ تَعالْ.
أيّها العاشقُ حتّى النارْ، لنْ أُخدَعَ بَعْدْ
كلُّ عُصفورٍ حَقيقة
غَيْرَ أنَّ النِّسْرَ حتّى
وهوَ في البيْضةِ أكبَرْ
وهوَ في التابوتِ أكبَرْ
يَقتلُ العِشقُ وَأكثرْ!
عَلى بُعْدٍ مِنَ المعْقولْ
يَحقُّ لِراشدِ المهْزومِ أنْ يَحلُمْ
وأنْ يَحْيا.
يَحِقُّ لَهُ – على بُعْدٍ مِنَ المعقول – أنْ يلقى لَهُ وَطنًا
بِحَجْمِ سَريرِ مُستشفى
يَحِقُّ لَهُ رُكوبُ الباصِ في "نْيويورْكْ"
إلى حَيْفا
يَحِقُّ، وَلكِنِ انْتَظروا
أقولُ أنا...