رسالة على زجاج النافذة
موجّهة إلى الشاعر محمود درويش،
على أثر رسالته الصوتية بمناسبة تأبين توفيق زيّاد
(نُشرت في مجلة «كنعان»، عدد 70، تشرين ثاني 1995)
قد لا أستطيع مجاراتك في تغيير ملامح اللغة والعزف من داخل الكلمات، ولكنني أستطيع قطعًا، أن أجاريك في الحبّ، وأن أتفوّق عليك أيضًا. حبّك لها فيه من القوّة ما يكفي لتكون بحضور الموهبة شاعرها الأول. ولكن تبيّن أن فيه أيضًا من الضعف ما يكفيك لاستحلال الخلوة، والتجلّي في الغموض، لتخرج علينا من وقت مشبوه لا يمكن إلاّ أن يكون هو الحاضر بكلّ ما يكنّه لها من نفي وملاحقة، وذلك بقرينة المحاورة والإعتذار الذي تضمّنته رسالتك الصوتية المؤسفة. لقد استطعنا أن نحبّ بعض من أحببنا بالحبّ وحده، أي باستدراج العلاقة معهم إلى خارج حدود المحاورة، ولم نكن نستطيع أن نحبّهم بدون ذلك وبدون الزعم لأنفسنا أنهم هي، وأننا لا نستطيع أن نكره أشجارنا لأن الغرباء علّقوا عليها أراجيحهم، كما أننا لا نستطيع أن نكره حيفا لأنها غادرت ملامحها. بذلك وحده استطعنا أن نجمع بين ما نحبّ وما نكره فيهم، من خلال موقف لا مبرّر له في المحاورة، وله مبرّرات في التراجيديا. تجاوزنا لهم عن الواقع بذريعة اخترعناها من أجل تعاستنا المشتركة، ولكننا لم نتنازل لهم ولا لغيرهم عن شيء من الواقع.
ما لنا هو لنا - بالمعنى المتجدّد للتاريخ - حتى ولو زيّفوا عقود الملكيّة وفصلوا جسدنا عن جسدها. وهذا هو الواقعيّ الذي لا يصحّ - وطنيًا - الإعتذار عنه. ما سواه هو «الوقائعي» الذي يروّجون له، وهو إسناد الحاضر - أي الواقعة - إلى المستقبل وليس إلى الماضي كما تستوجب طبيعة المصطلح. ليس لنا أو لهم زمن حقيقي سوى المستقبل الذي هو خرافتنا وخرافتهم، أي هويّتنا وهويّتهم، وهو كذلك لأنه قيد المداهمة وليس قيد الحدوث. ما حدث قد حدث، ولم يبق منه سوى ما يساعد في دعم خرافة ضدّ خرافة أخرى. قصائد وأناجيل وتلاوات وأصداء قريبة في الذاكرة لصخب الليلة الفائتة أو المذبحة الفائتة. هذا الصخب المتخلّف، وتلك الأصداء القريبة والبعيدة المتردّدة المحكومة بتكنولوجيا صياغة المكان والنفس، يوظّفونها في تدويخ هويّتنا، وصياغة شكل خرافتنا للمستقبل. ومهمّة الشعر والحبّ هي الدفاع عن هذه الخرافة بتجاهل المحاورة وبالامتناع عن أيّ اعتذار، ومعرفة أن أقصى ما يمكن أن نمنحه من الحبّ لإخوتنا الذين طوّحت بنا وبهم عاصفة الدهشة إلى أقاليم مختلفة، هو قبول اعتذارهم الصامت عمّا لم يستطيعوا أن يفعلوه، أو عمّا ظنّوا أنه «الواقعي» وفعلوه. إننا نحبّهم، ولكنهم كانوا على خطأ، وعلى ضلال أيضًا، لأن قرار الحضور على المبنى - أي الواقعة - قد شغلهم عن المعنى - أي الواقع - تمامًا. أمّا أنت فإن استحلالك للخلوة داخل النصّ المجيَّر - كما في رسالتك الصوتية المنشورة - يشي باهتمامك بذلك المبنى الذي هو صورة الآخر فينا وفيها، وتعبك من المعنى الذي هو الآن دلالتنا الوحيدة على الوجود، والذي هو صورة الواقعي المتجسّدة في وجودهم هم، من حيث كونهم بالنسبة لنا مجرّد صورة للنفي تؤكّد وجودنا، لأنها تحاول أن تلغيه. ولا موجب لاعتذارك عن الغياب عمّا فيها الآن من جسد، لأن هذا الغياب ما لم يكن اختياريًا - هو ممكننا الوحيد لتأكيد ما فيها وما كان فيها من جسد آخر. وما كان فيها هو «الواقعي» أي المعنى في صورة ليست له، وما فيها الآن هو «الوقائعي» أي المبنى في معنى ليس له.
إن التاريخ هو حركة المعنى في المادة، والمادة في المعنى، ولكن تلاشي الصور وتجدّدها هو فقط سياق لتجلّي المعنى في الظاهرة، يضبط وتيرته الضوئية على وتيرة الإدراك البطيئة، ويمنح الوعي فرصته في متابعة المعنى. ونحن نريد جسدها بمعنانا ومعناها، فهذا هو ما يميّزها عن جسد آخر ليس لنا، ويؤسّس إشكالية العلاقة بين آخر وآخر يعيشان على حجر واحد هو لأحدهما فقط. وحينما يتوجّب علينا - تحت طائلة القهر - أن نختار بين جسد لنا يحمل معناهم أو معنىً لنا يحمل جسدهم، فإننا نختار الثانية لأن الخروج من المعنى إلى الواقعة هو الخروج من التاريخ، أي الخروج من المعنى والجسد معًا. والذين هم مع هذا «الواقعي» هم قلّة شقيّة. وهم على الأغلب شعراء أو قريبون من الشعر، وعلى الأخصّ هم نقيض السياسي، أي «الوقائعي». ومنذ كان الشاعر والسياسي واحدهما ظِلّ للآخر، فإمّا أن يكون السياسي ظلّاً للشاعر الذي فيه أو في غيره فتقع الحوادث العظيمة، وإمّا أن يكون العكس - وهو الغالب - فتسيطر الواقعة، ويتضاءل المعنى إلى حدود الكارثة الحضارية، أو القومية. وفي الحالتين فإن القلّة الشقيّة محكومة بالفدائية، أي بالموقف العلني. وبمدى ما أن هذا هو موتها، فإنه أيضًا وجودها. وبين الظلّيّة والموقف العلني لا يوجد موقف ثالث سوى الظلّيّة المجّانية. والتجلّي في الغموض، أمر مشروع شعريًا، أمّا حينما يخصّ الأمر قضية الوطن إلى جانب قضية الشعر، فإنّ هذا التجلّي في الغموض، يمنح السياسي فرصة التحايل على المعنى، وفتح ما يشاء من النوافذ على الإدّعاء. وهكذا فعلوا معك لتصبح ظلاً مجانيًا للسياسي عن طريق المغافلة. لقد زجّوا بك إعلاميًا في حالة تفاوض انفراديّ مع الصورة، من خلال منظومة من التصريحات والمنشورات المدبَّرة. استغلّوا حبّك الذي لا أشكّ فيه للسنديان ليضعوك على الأرجوحة، وربطوا بين منصّة التطبيع وبين حضورك البريء إلى أمّك، بشرط مقنّع بالبراءة أيضًا، لتحويل رحلة الشغف والمعنى إلى حالة انخراط في المشهد السياسي. ربطوا بين حبّك المأساويّ للراحل الذي غادر المنصّة، وبين كهنوت التعاقد للجالسين عليها، وكما استدرجوا التائبين إلى مشروع التطبيع، أرادوا استدراجك أنت ليس فقط إلى ذلك المشروع، وإنّما حتى إلى المشروع الفئوي التافه الذي يترصّد كالقطّة أمام نافذة «الديمقراطية» الإسرائيلية. ولا أدري أين أو كيف كنتَ من كلّ هذا!! لو استطعتُ الشك في نباهتك أو معرفتك بنموذجهم لارتحت. ولكنني لا أستطيع. فهل تُراك أدركت فداحة التطرّف والغربة في موقف القلّة الشقيّة بالقياس إلى موقف الكثرة السعيدة الحالمة، وخطورة انحيازك - أنت بالذات - إلى شعبك وضدّه في هذه الفتنة، فلجأت إلى قدرتك الفذّة على التحليق كي لا نراك جيدًا؟ نحن نراك جيدًا، سواء كما أنت أو كما نتمنى، فلا فرق بين الحالتين في غياب الموقف العلني. ولكنهم هم، ملوك التخفّي وأعداء الوجه الواحد، يعشقون الغموض بالذات لأنه يستوعب كلّ الشروح مع ضمان سلامة الشارح. المطلوب فقط، هو استدراجك إلى التصريح والمحاورة باللغة التي تختارها. وقد نجحوا في ذلك، وأوقفوك بين نصّين متعارضين في خبر صحفي واحد. نصّ علويّ بالغ الوضوح يقوّلونك فيه «لا أعارض تغيير الميثاق الوطني»، ونصّ سفليّ غاية في الغموض لا تكاد تقول فيه شيئًا له علاقة بالنصّ العلوي. تقول، سفليًا، ما مؤدّاه - إنْ كنتُ قد فهمتُهُ - إن التفريط السياسي المتواصل قد أودى بواقعية الميثاق السياسية، وإن حرّية التطبيع رهن بالأفراد مثل حرّية الشذوذ الجنسي. ولكن لا نجاء لنا أو لك في هذا الشرح، إذ إنه يبقى أحد الشروح التي يتيحها الغموض. ولذلك فإن النصّ العلوي المذكور آنفًا يملك من الشرعية - حتى ولو كان فجورًا صحفيًا مجرّدًا - مثل ما يملك من هذا الشرح. والمتضرّر الوحيد هو النصّ وصاحبه.
قد تكون كلفة الموقف العلني عالية جدًا، ولكنها في حالتك تبقى دون كلفة الانحياز إلى السياسي، لأن خروجك من القصيدة، إلى الواقعة يعني خروجك من الرمز. فالقصيدة والرمز والخرافة التي ننتمي إليها جميعًا موجودة في الزمن الخالص، ولا شأن لها بشيء سوى بمداهمة المستقبل الذي لا وجود خارجه سوى للجثث الهامدة للوقائعيين الذين يعيشون أقلّ حتى من زمنهم الشخصي. ودعني آمل أنّك لن تغلبك العادة والتلقائية وتُسارع إلى استهجان هذا الكلام، بل دعني آمل أنك لن تتناوله بأسهل أدواتك في التناول وتدفع به رأسًا إلى دائرة التفلسف أو النصّ الغيبيّ. إنّني أحسّ وكأنّني أتكلّم من داخل حَجَر أو شجرة أو مدرسة ابتدائية، وفي وجداني نصّ معلّق للتجربة، مفاده أن الخلاصة الوحيدة الممكنة للتاريخ هي الهوية، سواء كان ذلك في الوجود الإنساني الخاص أو الشامل. والهوية، أي الوجدان، أي الخرافة، هي مصدر القيمة وأداة الاستمتاع الوحيدة بواقعة الوجود. وهي التي تقف وراء اختراع المستقبل بخصوصيّاته المتعدّدة كمجال لامتداد المعنى ومبرّر وحيد للالتزام القومي والحضاري العامّ.
صحيح أن هذا الكلام شعريّ وخرافيّ، ولكن واقعة الحياة هي شعرية وخرافية. وتَميُّزنا الإنساني في الطبيعة لا يتعدّى هذا، وكلّ التصنيفات الحضارية، من مفاهيم الخير والشر المجرّدة، وحتى العدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان بلغة العصر، تندرج بين مفهومي «الواقعية» و«الوقائعية». ومع أن الواقعة تبقى سيّدة زمنها، والوقائعيين - بالانتهازية والتلاعب أو بالجهل - يشكّلون أكثرية أبديّة ساحقة، إلاّ أن القلّة الشقيّة محكومة بالانتصار الأبديّ أيضًا، كقانون حتميّ لواقعة الحياة المحكومة بالشعر والخرافة والاندفاع نحو الهوية. وحينما تنعدم القلّة الشقيّة في سياق بشريّ معيّن، ينقضي هذا السياق، وإلى الأبد. وهذا المصير هو ما يعدّونه لشعبنا الفلسطيني.
لقد ملكنا الواقعة - إنْ لنا وإنْ علينا - طيلة الوقت على هذه الأرض ولم يكونوا يملكون سوى الخرافة. وانشغلنا بالحقل، وشغلونا بمحاورة الغيب، وتبنّي خرافتهم المؤسّسة أصلاً على التصدّي لخرافتنا. وأسفر كلّ ذلك عن النموذج الهجري الديدبانيّ، المنغمس في تكرار تخلّفه، وحراسة خرافتهم من الضياع. وحينما حدّد كهنوت المال والظرف التاريخي موعد المداهمة، كانت الهوية، أي الخرافة، جاهزة لتتحوّل إلى مصطلح سياسي ومؤسّسة وفعل. قد تقول إن القوّة وحدها هي القادرة على إلغاء شعب وتأليف شعب آخر على وطن ما، ولكن حاول أن تتصوّر كلّ الذي حصل بدون عنصر الخرافة!
كان الفرق بيننا وبينهم أنهم أعضاء في هوية واحدة تقوم على التساند بين الواقعة المادّية وتحرّيها بالفعل إلى أقصى حدود الامتلاك والسيطرة، وبين الخرافة القائمة على تأكيد الذات الفاعلة في النصّ المرحلي، مع تأمين امتدادها في الزمن الخالص، لتوفير فرصة المداهمة. أمّا نحن فلم يكن لنا وجود أبدًا في الزمن الخالص، أي لم يكن لنا وجود في ديمومة التاريخ، لأن خرافتنا ليست لنا، كان وجودنا هو محنتنا الأرضية لا أكثر ولا أقلّ، وكان مصطلح الوجود والعدم لدينا لا يتضمّن وعي التاريخ، الذي يعني وعي ديمومة النصّ الجماعي للهوية. كنّا نفتقر إلى خرافة ملتزمة وعقيدة أرضية مدعّمة بالنصّ الغيبي الملتزم. ما كان لدينا هو العكس تمامًا. نتبخّر كالماء، ونعيش دورتنا الترابية كالعشب، بانتظار واقعة غير أرضيّة مؤجّلة. حدث كلّ ما حدث، ودمّروا جسدنا كهيروشيما ولم نتعلّم شيئًا. عدنا إلى ديدبانيّتنا، نجدّد تخلّفنا، ونكرّر نمطنا الهجري الذي مكّنهم من مداهمتنا وتحقيق أسهل وأسرع وأغرب عملية استبدال في التجربة البشرية. وأنا أتحدّى أيّ مثقّف هجريّ أن يقدم لا بالاعتماد على الثقافة الهجرية، نصّاً للهوية غير النصّ الذي يدمغوننا هم به، ويستحلّون من خلاله مداهمتنا، بل أتحدّاه أن يقدّم لنا طريقًا يؤدّي إلى الجنّة لا يتضمّن شرط التسليم بنفي حقّنا التاريخي على فلسطين.
إن وجداننا الهجري، هو نقيضنا السياسي، لذلك فنحن لسنا بحاجة إلى ميثاق وطنيّ يؤكّد هويّتنا خطّيًا فقط، ويتحوّل بعد عدّة سنوات بالتفاوض والشطب إلى وثيقة سياسية. نحن بحاجة إلى تجديد خرافتنا، واستبدال وجداننا المعادي. بحاجة إلى وثيقة ثقافية ملتزمة بالنص الأوغاريتي غير القابل للمفاوضة أو للتبديل، ليس فقط لأنه وجداننا المغيَّب، بل لأنه أيضًا خلاصنا السياسي والحضاري، وفرصتنا الأخيرة في الخروج من سياق الاندثار. هذا هو ميثاقنا الوطني.
إن خروجك الآن من إطار القلّة الشقيّة، سيؤدّي حتمًا إلى اندثارك واندثارنا. لم يبق في شارعنا سوى خطوات قليلة، ونصل حاجز النهاية وجدار الإعدام وننتصر. نحن الأخيرون كما أعتقد، فليس من حقّنا أن نغادر مصرعنا الميداني إلى سرير في المستشفى. إذا أردنا أن يبقى الطريق، فيجب أن نموت على قارعته موتًا عاديًا أو غير عاديّ. ما هو الخيار الآخر أمامك سوى أن تصبح ظلاً للسياسي؟ ينصّبونك ملكًا ثقافيًا للمرحلة، كما اختاروا أحدهم مرّة أميرًا للشعراء، من أجل أن تتغافل عمّا بين السياسي والثقافي - في حالتنا - من تناقض مصيريّ، ولكنك الآن وأنت خارج السياسي، حتى ولو كنت تقف في محاذاته، تملك موقعك الذي يؤهّلك لمركزية ثقافية تشدّ إليك الملتزمين والمنافقين كلّ لغايته، أمّا حين تنتقل إلى داخل السياسي، فسوف تقف في موقع لا تملكه، محاطًا بأوغاد الثقافة وحدهم. قد تعتبر هذا الكلام شخصيًا! ليكن، حتى ولو دمَغْتني بالتطفّل، فالقضية بالنسبة لي أهمّ بكثير من الموقف الحيثيّ. كما أنه من حقّي وحقّ أمثالي أن نصبو - في غياب الإجماع الثقافي الوطني - إلى موقع ثقافي مستقلّ عن السياسي والمرحلي والوقائعي والعميل، نستطيع أن نتواجد فيه، ولا ينكر هو علينا حقّنا في الوجود، حتى ولو اختلفنا معه. لقد عانينا من أوغاد الثقافة وعملائها طيلة حياتنا الثقافية، وتعرّضنا من جانبهم لكلّ محاولات النفي والإبعاد والإساءة، ولكن ذلك لم يهمّنا لأن موقعهم وموقعنا كان يحتّم مثل هذه العلاقة. أمّا أن يقيم السياسي موقعًا للثقافة الوطنية، تكون أولويّة التواجد فيه لأولئك السادة، بحيث يمكنهم التعرّض لنا من خندق الوطنية، وذبح موقفنا وليس أشخاصنا، فهذا ما لن نرضى به ولن نسكت عنه، تحت طائلة أيّة مواجهة. وفي ظلّ ظروف التلاشي السياسي الفلسطيني، يحقّ لأيٍّ كان تسويغ أيّ موقف سياسيّ، وإلغاء مصطلحات العمالة والخيانة والانتهازية من التداول في هذا المجال، أمّا حينما يتعلّق الأمر بالهوية الثقافية والنصّ الوجداني للإنسان الفلسطيني، فليس من حقّ أيّ أحد حتى مجرّد السكوت على ذلك، وإلاّ كان مدفوعًا بالسقوط والمشاركة في نكبة التطبيع الثقافي، آخر نكباتنا كفلسطينيين، لأننا بعدها لن نكون.
إنّ فوضى السياسة لها نتائج وقائعية تسفر عن خسارة المرحلة، ولكن فوضى الهوية لها نتيجة واحدة فقط، هي خسارة جميع المراحل. وهذا ما يدركه أوغاد السياسة فيدفعون بأوغاد الثقافة إلى غزو موقفك بكلّ الوسائل التي يملكونها، وهي كثيرة وعلى رأسها الحياديّة التامّة تجاه التقييم، مثل ورقة العملة. وإذا كنت قد انخدعت، مختارًا، بـ«شرفاء» التعاقد، - كما يُشاع - فما معنى انخداعك - كما يُشاع أيضًا - بالخونة العاديين، المسجّلين بأسمائهم الصريحة في الوثائق الخطّية للانبعاث الحربي الصهيوني!! إن هؤلاء الأخيرين ليسوا موضوعًا لشيء غير الحقد الأعمى من جانبي، وهم من جانبهم لا شأن لهم بنا، إلاّ من حيث أن ابتذالنا ما زال متيسّرًا ومفتوحًا على مصراعيه، أمام نزعات الاستثمار المادّي والسياسي والاجتماعي لكلّ الساقطين بالذات. ومع أن أولئك قد تخلّصوا من كلّ ما يَحول بين الرجل وفِراش أمّه، إلاّ أن سماجتهم تظلّ أعظم إنجازاتهم الخاصة شأنًا، فهم يتولّون مهام القيادة والريادة والتنظير في مجالنا الثقافي، بدون تكليف من أحد، ليس بالقوّة وحدها، بل بحكم أنّهم خونة في المقام الأول؛ فخيانتهم - كما يقولون - أثبتت أنها أفضل من الاستشهاد العبثي لشعبنا. أمّا «شرفاء» التعاقد، الذين وصلوا الضفّة الثانية للنّهر دون أن تبتلّ ملابسهم، أيْ صانعو المعجزات، أيْ أدباء وشعراء المقاومة من دافعي الضرائب، والملتزمين بمواصفات الأمان، فيمكنك أن تفعل بهم ما تشاء، وأن تؤسّس بهم أيّة ثقافة تخطر ببالك. إنهم مثل الباب الإلكتروني، ينفتحون بمجرّد الاقتراب منهم، لذلك اعتقدوا بإخلاص خالص منذ النكبة، أو منذ حضورهم عليها، أنّ صنع العجّة من البيض الفلسطيني المكسور والتهامها، أفضل من تَرْكه يذهب سدىً. وبعد أن تذوّقوا طعم العجّة اللذيذ، صاروا يكسرون كلّ بيضة فلسطينية تصادفهم، ثم تطوّر بهم الأمر إلى التفتيش عن مكامن البيض الفلسطيني وكَسْره. وبالصدفة وحدها، فقط(!)، التقت رغبتهم في التهام العجّة مع رغبة الطرف الآخر في التخلّص من أيّ بيض فلسطيني غير مكسور يمكن أن يفقس عن شيء غير مرغوب فيه، فأقاموا شركة مساهمة للتفتيش عن البيض الفلسطيني وكَسْره أينما وُجد، وجاب وكلاؤها كلّ أقنان الثقافة في البلاد العربية، يعلّمون دجاجها كيف يبيض بيضًا مكسورًا، ثم ـ وكما يحدث اليوم ـ كيف يبيض عجّة جاهزة.
ومشكلتك معي أنّني أعرف أنّك تعرف كلّ شيء عنهم، وربّما أكثر منّي. ومشكلتي معك أنني لا أستطيع تصوّرك في موقف يخالف الدخيلة الثقافية الأمّيّة، لمن تبقّى من شيوخ وعجائز الشتات. إذ، ما حاجته إلى ذلك؟ أقول لنفسي! إنّ لك حتى الآن موقعًا يتجاوز معنويًا أرستقراطية السياسة، وتستطيع أن تجعل من السياسي ظلاً لك، حتى بدون أن تتصدّى له. بل إنّ تجاوزه التامّ والتغافل عن وجوده من جانبك، يزيد موقفك تألّقًا ويزيده هو شحوبًا. ولا أظنّك تُلقي بالاً إلى ما يزعمه ماعز الثقافة، من أن الثغاء في حظائر السياسة يفيد القضية، فأنت تدري أننا قد متنا سياسيًا، وأن الجنازة الاستعراضية المطوّلة التي نشهدها، لها هدف فنّي خالص فقط، يتعلّق بفلسفة مشروع التصفية الشامل. لقد تجاوزنا السياسة - كعرب - بخيرها وبشرّها، وأصبحنا - أنظمة وشعوبًا - موضوعًا للتناول أو التسييس عند الحاجة، وليس موضوعًا للمسايسة بأيّ شكل من الأشكال. وهذا يعني أن الكرة - كما يقولون - انتقلت من ملعب السياسة إلى ملعب الثقافة، وأصبح واجب المثقّف الملتزم الانحياز بإمكاناته نحو الانعزال التكتيكي في الرفض، والكلام من هناك ليس ضد «أوسلو» ولا معه، لأن كلا الموقفين واحد، والحوار المباشر مع أيّ منهما هو أيضًا سياق تطبيعيّ، ولكن مع التزام الميثاق الوطني العفوي، وتطوير وجدانيّاته ومرجعيّاته التاريخية من الأسطورة وحتى النكبة. كنعان مقابل «أرض إسرائيل»، وفلسطين التاريخية مقابل «إسرائيل التاريخية»، مع الحذر الشديد من التاريخ الهجري، أقدم وأعمّ وأدهى حيلة تطبيع في تاريخ العلاقات البشرية المتعارضة.
قد ترى أن هذا الاقتراح لثقافة فلسطينية جديدة قريب جدًا من الهلوسة. وأنا أيضًا أراه كذلك على ضوء رحلة التوغّل الطويلة للوجدان والسلوك في الغربة وإنكار الذات. ولكن ماذا نفعل إذا لم يكن أمامنا خيار آخر سوى مواصلة رحلة التردّي. نحن أسرى تاريخ مدرسيّ وكهنوت وجدانيّ وثقافيّ، يشترطان العقم الحضاري والتوسّل بالغيبية ومجاراة الماضي بحذافيره إلى درجة إنتاج التخلف كأساس وحيد للقوّة و«التقدّم». فماذا نصنع سوى مجاراة هذه الهلوسة، أو محاولة هلوسة أخرى. إنها هلوسة محكومة بالعقم الأبدي مقابل هلوسة يمكن أن تتحوّل إلى تاريخ، كما حدث لهلوسات كثيرة في التجربة البشريّة. فماذا نختار؟!
قد يقال إن هذا ليس خيارًا، لأن الخروج من المأزق الهجري غير ممكن عمليًا، ولكن هذا ليس مطلبًا عمليًا أصلاً؛ فالحديث ليس عن عملية اجتياح - على طريقة النظم العالمي الجديد - لوجدان جمعيّ مؤسَّس جيّدًا على مواريث موغلة في القِدَم، وإنما هو عن إقرار مبدأ حرّية المبدع في التناول والانتقائية والخروج على النصّ إذا اقتضى الأمر. أمّا المطلب العملي، فهو محاولة إرغام المؤسّسة الهجرية على قبول مواجهة حضارية مع أشكال الوعي الأخرى، وعلى رأسها وعي الحاجة لاستكمال التراث، ورفض أوّليّة التاريخ الهجري، وفرضه - بالتنكيل - كسياق وحيد للوعي. وهو مطلب استراتيجي هذا أوانه وفرصته الأخيرة، أمام مشهد الانزلاق التدريجي نحو هاوية العدمية القومية والحضارية، واقتراب المعركة من لحظة الحسم. نحن لا نستطيع الاستمرار في عبثيّة مواجهة النصّ النقيض بالنصّ الحليف أو التابع، وحرمان معركتنا الحضارية من وجدان ملتزم ومتماسك. ونحن أيضًا في هذا المجال لسنا بحاجة إلى افتعال نصوص غيبية، أو نصوص محمولة قسرًا على الإدّعاء غير الموثّق للرواية التاريخية. إن لنا مرجعيّة تاريخيّة وحضاريّة أولى مدعّمة بالأسانيد القطعية، تنتظر الالتفات إليها لتتحرّك نحو موقعها الشرعي في وجداننا الثقافي والحضاري الشامل. وهذه القضية، حاليًا، ليست قضية تحليق أو تفتيش عن إقليم إبداعي بديل للخروج من العقم الذي نتمرّغ في رماده منذ قرون - وهو أمر مشروع تمامًا - ولكنها قضية مواجهة مع مخطّط يبلغ الآن عنفوانه العملي، يهدف بوضوح شديد إلى إلغاء المصطلح الفلسطيني وإغلاق المستقبل أمام تداوله. وهو يفعل ذلك ليس من خلال الشغف العدمي وحده وإنّما أوّلاً من خلال القناعة التامّة أن بقاء المصطلح الفلسطيني فيه تهديد سياسي مباشر دائم الحضور لاستراتيجيّته. فهذا المصطلح، رغم ضعف وغموض وجدانياته الغيبية والرومانسية، إلاّ أن الإخراج المفاجئ لشعب - وبالقوّة - عن نصّ وجوده العمليّ على أرضه، وحدّة إحساسه بالشتات، وعدوانية المرحلة وخطورتها على كلّ أشكال كينونته الاجتماعية ـ كلّها عوامل تضغط في اتجاه بلورة وجدان يقوم على الرفض، وقد يؤدّي إلى تهديد حالة الاستكانة العربية ـ وليس الفلسطينية فقط ـ لمخطّط الاجتياح. إن حالة التمنّع الوجداني الضعيفة التي يبديها الفلسطيني أو العربي الآن تجاه ابتذاله المفرط في العلنية، بمدى ما هي منطلق نحو مشروع ثقافي تعبويّ صوب استمرار المواجهة، بمدى ما هي هدف للتعرّض والتنكيل من جانب مخطّط الإلغاء والتصفية. والبُلهاء وأوغاد الثقافة وحدهم هم القادرون على الادّعاء أن صناعة المستقبل هي من البساطة بحيث يمكن أن تُحسم عسكريًا أو سياسيًا فقط.
إن فوضى الشعور والتقييم، واستحلال الانحراف والعمالة، وهيمنة أوغاد الثقافة، على الساحة الهجرية، تعود إلى انعدام فكر قومي موحَّد، مدعَّم بالمتابعة الوجدانية والمنهجية والمشروع الثقافي الملتزم. كما أن العلاقة بالآخر داخل الفكر الهجري هي علاقة مذهبية بحتة، تقترب في حالة المسيحية واليهودية من العلاقة الطائفية. والمواجهة في إطار مثل هذه العلاقة، أساسها الاستدعاء والتنديد، والتنكّر الشديد لكلّ أشكال التطوّر الاجتماعي، وعلى رأسها القومية. ولقد حرصت الأنظمة الهجرية العربية، وبذكاء فطري، على تبنّي الشكل التراثي للقومية، الأمر الذي يتيح لها التملّص من القومية والدين معًا، وتحييد حركة التطور الاجتماعي على غرار ملء الكأس وإفراغها.
لقد نجحت هذه الأنظمة في ابتداع شكل «عصري» للخلافة، وضبط الحركة الاجتماعية لشعوبها، من خلال استئناس الدين واستهبال القومية، على العقم واللاجدوى والمراوحة في مكانها سياسيًا وفكريًا. وأسفر كلّ ذلك عن وجدان اجتماعي أبله لا هو قومي ولا هو ديني، أهمّ خصائصه التفريط والدونية الاجتماعية المتمثّلة في السلبية وانعدام الحسّ الجماعي والقابلية للتنظيم. في وضع كهذا - يجدّد نفسه باستمرار - لم يبق أمامنا شيء قيد الانتظار سوى الهاوية. أمّا الذي هو قيد الفعل، فهو إجراء ثقافي عاجل وثوري، يكافئ مخاطر المشروع الثقافي المناهض، ويتجاوز تبعية وعقم الشبح الثقافي الهجري، ويؤسّس لوجدان فلسطيني وعربي قادر على تجاوز مرحلة التلاشي السياسي، وإبقاء مشروع حضاري وقومي عربي ـ فلسطيني، على الأخص، للأجيال القادمة. هذا الفعل ليس سهلاً، وسوف يقع تحت طائلة التنديد والتنكيل والتصفية المبكرة من جميع الأطراف، ولكن هذه المحنة هي قدرنا نحن، وعلى أي مثقّف حقيقي أن يختار بين الموقف الوجودي وبين الخيانة. وأمّا الخيار الثالث الممكن فهو عدم الوضوح، والتسلّل من المسؤولية إلى موقف بينيّ يسفر عن مؤسّسة بينيّة تحتضن حالة اللاجدوى المزيّنة بالشعار الأجوف، كدليل وحيد على الالتزام. وهذا هو أسوأ المواقف جميعًا، وأخطرها أيضًا، لأنه يسهم في طمس المشهد المأساوي لأمّة تنزف على قارعة الطريق، بين الإجراء السريع والوفاة المؤكّدة. والإجراء السريع المستدعى هو وثيقة قومية ثقافية ووطنية تؤكّد أوّلية وشمول السياق القومي، وتستكمل نصوصه، وتضع السياق الهجري وما يتعلّق به من تراث تحت طائلة المراجعة والرقابة التاريخية والموضوعية والقومية كأحد فصول التاريخ العربي العام.
إن مثل هذه الوثيقة يجب أن تضع في اعتبارها عدم مناقشة النص المقدّس بحكم كونه مسألة ضميرية خالصة، وعدم مناقشة السياسي لانعدام الجدوى والاقتصار على الأهمية المرحلية. أمّا التعارض غير المباشر بين النصوص في الحالتين فيبقى قيد اللامباشرة إن أمكن. وإذا لم يمكن، فيجب أن يبقى موضوعًا للنقاش من طرف واحد، لأن الشاغل الوحيد يجب أن يبقى استراتيجيًا، ولأنه يجب قطع الطريق على المداولات العقيمة بين الإيمانيّ والوقائعيّ من ناحية، وبين التجريبي والواقعي من الناحية الأخرى، والتي ما زالت تشكّل المصدر الأساسي للَّغْوَنَة كبديل للوعي في حياتنا الاجتماعية.
قد يسفر الأمر في النهاية عن مجرّد إصدار الوثيقة المذكورة والعجز عن توفير السياق العملي وأدواته لمتابعتها، ولكن مجرّد إصدارها هو إنجاز عمليّ على مستويين، مستوى التعرّض لمشروع الاستبدال الثقافي للمرحلة، ومنعه من التحوّل إلى مشهد ختاميّ للثقافة القومية والوطنية ومستوى الإبداع في الزمن، على أساس أن الوديعة قد تجد زمانها المناسب في سياق المستقبل. ومهما بدا هذا الكلام مغرقًا في مراودة الحلم، فليس أمامنا غيره حتى ولو كان أبعد من معقولنا الحالي، لأن البديل المحتّم هو موافقتنا على الموت دون إثارة أيّ شغب. ثم كيف يُعقل أن نتنكّر - نحن الفلسطينيين بالذات - للتجربة التاريخية التي نعرفها بالمعايشة، والتي أسفرت عن نكبتنا الراهنة؟ ألم نستبدل - تحت طائلة القهر - مواقعنا معهم. ألم يكونوا يمثّلون الشتات الذي نمثّله نحن اليوم؟ فكيف حدث هذا لنا ولهم! وأيّ معقول هذا الذي ينكر الحتمية المنطقية لمثل هذا السؤال؟ أعتقد أنه ذات المعقول المُقعَد الذي مكّنهم من مداهمتنا، لأنه يؤمن باستحالة أيّ شيء مركّب، فظلّ يعتقد باستحالة النكبة إلى ما بعد وقوعها، لمجرّد أنها لا تلائم توهّماته، ولأنها أكثر تعقيدًا من جدول الضرب. وهذا المعقول هو الذي يجب اختراقه في الطريق إلى المعاصرة كشرط أساسي في المواجهة في المستقبل.
إنّ أيّ قول ثقافي يقع، من حيث التقييم، بين الهلوسة والقناعة الشخصية، بين الاستدعاء والاستقراء، بين أوّلية النتيجة وأوّلية البحث. والأمر الأول مشروع، وأساسي أيضًا، في الإبداع، ويمكن تقديمه بدون أي اعتذار. أمّا القناعة الشخصية فتتضمّن بالتلقائية التخاطب مع قناعات أخرى مخالفة لها، وهي مُلزَمة بمصداقية غير ذاتية، أي منهجية. ولكن المشكلة الكبرى هي في التقييم، حيث أن مصادره على الأغلب تنتمي بالفكر والممارسة إلى مؤسّسات الإثبات، التي يشكّل القمع نهجها الأساسي، أمّا منطلقاتها فتتراوح بين الهلوسة العدوانية المؤسّسة على سوء النيّة، والتي توكَل عادة إلى أوغاد الثقافة، وبين التعرّض المنهجي من جانب السياسي والإعلامي المتعدّد القدرات. وأنا أعرف - مثلك - استحالة إنشاء مؤسّسة ثقافية للنفي في إقليم كإقليمنا، ليس له نموذج مماثل في التجربة الإنسانية، ولكنني أريد أن آمل أن هناك فرصة على الساحة الفلسطينية لمنع إقامة مؤسّسة عربية إضافية للقمع الثقافي الملتزم. هذه الفرصة ممكنة وعملية فقط من خلال المبادرة السريعة إلى تجميع تيّار ثقافي حول وثيقة ثقافية صريحة وملتزمة، تصلح أساسًا عمليًا لإنشاء مؤسّسة اعتراضية، لقطع الطريق على أوغاد الثقافة، من الاستيلاء على الساحة، وصياغة مصطلحنا الثقافي على غرارهم. ونجاح مبادرة كهذه مشروط بتصدّيك لها شخصيًا، لأن للرمز دورًا أساسيًا على مستوى المصداقية والتجاوب والمواجهة. وصدور مثل هذه المبادرة من موقع ثقافي هامشيّ، محكوم بالفشل المحقّق وتفويت الفرصة، التي ربّما تكون الأخيرة، بالنسبة لعمل كهذا، ولهذا السبب وحده أثقلت عليك.
ليس في كلامي - كما قد يبدو - أيّ تدخّل في حالتك، بل هو تدخّل في حالتنا كما أراها. إذا كانت الرؤية بيننا مختلفة إلى حدّ لا يسمح بالتعلّق بالأمل، فإنني غير آسف على توجّهي المباشر إليك حتى في هذه الحالة، لأنّ من المؤكّد أن كلامي الذي قلته سيستفيد من كونه موجّهًا إليك، وأنا لا أستحي أن أكون انتهازيًا من أجلها، وكلّ كلمة قلتها لم تكن إلاّ من أجلها.