الخمرةُ جسدُ امرأةٍ في المخدع
عِمْتَ مساءً يا "سَعْد"![1]
لا تلمَسْ هذا الصّمتَ ستندلعُ الأجْراسُ ويغمرُنا الشجْوُ المتربِّصُ خلفَ الأكذوبَة.
ليسَ صحيحًا، لمْ نَنْسَ؛ هيَ البابُ المُغلقُ يا "سَعْدُ"، بَريدُ الأمْسِ، فراغٌ بينَ عُيوني وَالعالَمْ.
والشّعرُ نباحٌ لا يعرفُهُ الكلبُ ولكنْ ماذا تُدْعى النافذةُ بعينيكَ وصوتُ القدمين : أحِبُّ.. أحِبُّ.. أحِبّ!
لا تحزنْ يا "سَعْد"!
مَنْ يهوَ مسافرةً فليُعْطَ جَناحَيْنِ ومَنْ يعشقْ حيفا فليُعْطَ المبْكى!
دَعْني ألمَسْ مِعطفكَ الدافئَ حيثُ ترجّلتِ القبُلاتُ الخائنةُ وحيثُ اللمَساتُ الذابلةُ تشدُّ أصابِعَها الوهميّةَ فوقَ أصابعِ كفّيْ!
الزمنُ هُنا والحُبُّ هُناكَ، ولا بُدَّ مِنَ الحُبّ. فتعالَ نُحبُّ امرأةً منْ غيرِ جَناحَيْنِ تَخافُ رُكوبَ الطائرَةِ وَتعْشقُ أرْصِفةَ القدْسْ!
ماذا نفعلُ بامرأةْ تفتتحُ المُدنَ بنَهْدَيْها، تركُضُ عاريَةً كالإصْبعِ في ليْلِ قراصِنةِ البَحْرْ!
حذّرْتُكَ عِشقَ الطّرْواديَاتِ فلمْ تَفهَمْ!
عامرةٌ بالحُبِّ نِساءُ الأرضِ وبالعُشاقِ لماذا يُخفيكِ العالَمُ عنّي!
وَلماذا أنظرُ عَبْرَ زُجاجِ العالَمِ لأراكِ، ألاحِقُ أصْواتَ الطيّاراتِ ورائحَةَ البَحْرِ وأحْلمُ أنّي في "لندن"، أحتلّكِ كالمِعطفِ أرتادُ بكِ الحاناتِ وَعُلبَ الليلِ وأطويكِ وِسادًا حينَ يَجيءُ الصّبْحُ وَأغفو!
أعْطيْتُ اسْمَكِ لنساءٍ كالزّهرِ، غَسلتُكِ بالشِّعْرِ وَماءِ النّعاناعِ لأطرُدَ عنْ جسدِكِ رائحَةَ بَناتِ الليلِ، تَوهّمتُكِ لا تَحتَرفينَ سِوى السُّمْرِ، غَفرْتُ لكِ اثنَينِ وَعشرينَ سَريرًا في الشهْرِ فظلَّ اسمُكِ "تاييسَ" وَجسدُكِ يزدحِمُ بأمَمٍ شتّى.
ساعةَ ينقسِمُ الليلُ، يَصيرُ العالَمُ نَهْرًا، أزدَحِمُ بكِ كما تزدحِمُ الأعيُنُ بالدّمعِ، أراكِ وَلا ألمَسُكِ، أُحسّكِ شِعْرًا، قدمَيْنِ على درَجٍ يمتدُّ مِنَ العانَةِ حتى الشفتَيْنِ، وأغفو.
أسْمعُ أصواتًا تتصاعدُ نحوَ الأسْوارِ وألمحُ طفلاً يزحَفُ نَحوَ الحافةِ، أصرُخُ مِنْ قاعِ الرّعْبِ: خُذوهْ!
وَترتفِعُ الأسْوارُ وَتسْتلقِينَ مُخطّطةً بِالموْتِ على قَدمَيّ.
آهِ حَبيبةَ خَوْفي كَيفَ أمِنْتُ عليكِ الأسْوارَ، تركتُكِ في أيدي الغُرباءِ وَنِمتْ.
آهِ حَبيبةَ شِعْري كيفَ تكونُ الكلماتُ رِثاءً، كيفَ يكونُ الدّمعُ هوَ الحُزْنْ!
كيفَ تموتُ الأرْضُ ويبقى الشجَرُ، تَزولُ الدرْبُ ويبقى السّفَرُ، تَغيبُ الساحَةُ وَيظلُّ المقتولْ!
بِالجَسَدِ خُذيني!
مَنْ ضَيّعَ جَسدَ العاشِقِ أيْنَ يُحِبّ!
بِالجَسَدِ خُذيني!
[1] اسم كلب صديقة للشاعر.