المطاردة
- قف!
لا. لا تقف! لديك فرصة. إنهم بعيدون. الرصاص يصيب من يتعرّض له... من يسابقه. (لا تسابقوا الرصاص أبدًا. دعوه يمرّ. أعطوا له الطريق كلها. تحرّكوا إلى الأمام كما يتحرّك اللولب.)
- قف!
(يمينًا، إلى الأمام، شمالاً، إلى الأمام، خلفًا، إلى الأمام! لا تلتفت بعينيك فقط، بل يطلّ جسدك دون أن تتوقف عن الركض، أو تفارق يداك الحائط.)
إنه أسرع منهم. صوت الأقدام أقلّ قوّة مما كان. وحيطان المخيم لا تنفصل، تسانده بكل قوتها. الأبواب تكلمه همسًا:
- تعال!
- ادخل!
- اركض!
ومن ورائه:
- قف!
لا. ما الفائدة من الوقوف؟ النتيجة واحدة. الاصطدام بالرصاص أسهل من انتظاره.. إنه ليس تعبًا، ولكن صوت الأقدام يعلو. إنهم أسرع منه. يجب أن يطير. أن يخرج من المخيم.
- ادخل!
- اركض!
نعم. سأركض. لن تستطيعوا أنتم حمايتي. لماذا تبنون بيوتكم هكذا بدون منافذ للهرب؟ ألا تعرفون أن هذا سيحدث؟
- قف!
ماذا لو فعل؟ هل سيقتلونه؟ ربّما ليس الآن، ولكنهم سيفعلون بعد أن ينتهوا منه. سيفرغونه على البلاط من كلّ شيء. من السر، من الرجولة، من الأسماء، ثم يفرغونه من الحياة، كما فعلوا مع غيره.
- ألله معك!
- إلى السوق! إلى السوق!
نعم. إلى السوق. إلى مركز المدينة. إلى كومة القش التي تضيع فيها الإبرة. ما عليك إلاّ أن تصل. هناك أهلك سيخفونك حتى عن عيون الجنّ. واصل الركض فقط. كلّ خطوة تقرّبك من الأمان. خطوات. خطوات. خطوات.
- يا رب!
يا رب! أريد أن أعيش. أريد أن أعود. أريد أن آكل. أريد أن أمشي. أريد أن أتكلم. متى تنتهي هذه البيوت؟ متى أختفي عن عيونهم؟ متى؟ متى؟
- قف!
قف! إنهم قريبون، لن تسمع هذه الكلمة بعد الآن! كيف يكون الإحساس بالرصاص؟ حار! لاسع! قويّ! أنت الآن ميت. قف! قد يتركونك تعيش. يفعلون ذلك أحيانًا. السجن أفضل من الموت. قف! من أجل الحياة. من أجل السجن فقط. من أجل أن ترى وتسمع وتعيش.
- اركض!
- لعيون أختك!
- اركض!
لا أستطيع. دعوني أعيش. دعوني أحاول. إنهم قريبون، والسوق ما زالت بعيدة. لماذا بنيتم بيوتكم متلاصقة بهذا الشكل؟ ألم تعرفوا أنني سأجيء؟ أوقفوا هذه النداءات! أريد أن أتوقف. أريد أن أعيش.
- قف!
لماذا يطلقون الرصاص هكذا إلى الأرض، عند قدميه؟ هل أصيب؟ لا. لماذا لم يُصَب بعد؟ ألا يرون غير قدميه! قف!
إنهم يريدونك حيًا. لديك فرصة. توقف!! الآن! الآن! لن يعطوك فرصة أخرى.
- لعيون فاطمة!
من هي فاطمة؟!
- لعيوني!
من أنت؟!
- اركض! اركض!
اسكتي أيتها الأبواب. أوقفن هذه الزغاريد! ليأت أحدكم ليركض مكاني. أنتم الذين تغلقون عليّ الطريق. بيوتكم تسدّ عليّ طريق الهرب. أصواتكم تمنعني من التوقف. السوق بعيدة. بعيدة. بعيدة.
- لعيون أمّك!
أمي! ما الذي أتى بك إلى هنا؟
ماذا تقولين أنت؟ أن أركض؟ نعم، سأركض إذن. ما اقرب وجهك إليّ! إنني قادم. ابقي معي فقط! لا تخافي! السوق قريبة. قريبة.
- قف!
لا. أمّي تقول لا. سأركض لعيونها. لعيون "أمينة"، ذات الزنّار الأحمر. ما أقرب وجهك إليّ! قد يقتلونني الآن، ولكن لا تخافي! أنا لست خائفًا كثيرًا.. الآن سيطلقون الرصاص. لقد اقتربت السوق. أسمع أصوات السيارات. أسمع حتى أصوات الناس. إنهم يعرفون أنني قادم. والجند أيضًا يعرفون. الآن سيطلقون الرصاص.
- قف!
فات الأوان. إذا لم تقتلوني الآن فلن تقتلوني أبدًا. آه! الطريق إلى اليمين! خطوات يا ربّ! سأنجو. سأنجو سأنجو.
- قف!
لقد نجوت. الرصاص لا يراني الآن. السوق! ها هي السوق. هل كنت قريبة إلى هذا الحدّ دون أن أدري! ما أكثر الناس! من قال لهم إنني قادم؟ هل سمعوا صوت الرصاص؟ اقتربوا يا أحبائي! اقتربوا بسرعة! إنهم خلفي.
- قف!
إنكم لن تطلقوا الرصاص الآن. لحظان ولن تروني أبدًا. سأذوب في أهلي كما تذوب القطرة في البحر. اقتربوا. اقتربوا! تكاثروا حول جسدي أيها الأحبّة. لماذا لا تقتربون! أين أنتم! أين أهلي! الشارع يطول.. يطول.. يفرغ.. إنهم يركضون.. يا ربّ! لماذا يهربون منّي؟ هل أنا مجنون! ألم يكونوا هنا أبدًا؟ لماذا يتّسع الشارع ويطول؟ أين كانوا! أين ذهبوا! لماذا يغلق هؤلاء حوانيتهم؟ دلّوني أين تختفون لأختفي معكم. لا تخافوا منّي، إنه أنا.
أنا ....
- قف!
ولماذا أقف الآن! سأظلّ أركض حتى بع دأن أموت. الشارع طويل وواسع ونظيف. لن يتلوث أحد غيره بدمي. أطلقوا النار. لا. انتظروا! أريد أن أعرف كيف اختفوا. انتظروا قليلاً! أنتم وأنا أهل. قريبون من بعضنا أكثر منهم. أنتم تركضون وأنا أركض. الركض قرابة. لا يهمّ ما سيحدث. المهمّ أين اختفوا. كيف أغلقوا الدكاكين بهذه السرعة! انتظروا قليلاً. أين سأذهب منكم؟ أنا أركض الآن لأعرف. أنا وأنتم أعداء فانتظروا قليلاً. العداوة قرابة. شيء واحد يجمعنا. ألا تريدون أنتم أيضًا أن تعرفوا كيف اختفوا بهذه السرعة! لا أحد. ألم يكن بينهم كسيح أو أعرج أو أعمى! أين ذهبوا؟ اتركوني قليلاً وانظروا أنتم أيضًا أين ذهبوا. ألا تريدون أن تعرفوا كيف يختفي الناس بهذه السرعة؟
- قف!
قلت لكم لن أفعل قبل أن أعرف. إذا كانوا هم قد استطاعوا أن يختفوا بمثل هذه السرعة فلماذا لا أفعل أنا أيضًا ذلك؟ يجب أن أكتشف السر. هل كانوا مستعدّين سلفًا للاختفاء؟ ومع ذلك... آه، انظروا! إنهم هناك! هل رأيتم؟ هناك على باب المسجد. إنهم يتدافعون ويوقعون بعضهم بعضًا.
- قف!
عشرون خطوة منّي. عشرون. ولكن ذلك الدرج الهلالي! لو كان المسجد قريبًا من الأرض. أهكذا تُبنى المساحد! لماذا الدرج؟ لماذا.. لماذا.. سأحبو حبوًا. يجب أن أصل باب المسجد. سأحبو درجة درجة. إذا وصلت هناك فلن يطلقوا النار. سيصوّبون العشرات. انتظروني قليلاً! أنتم الذين على الباب. لا تتركوني وحيدًا للحظة على هذا الدرج. سيطلقون النار حتمًا إذا بقيت لوحدي. دعوني أضيع بينكم فقط. دعوني أدخل معكم. إنهم لن يعرفوني أبدًا.. لن يستطيعوا تمييزي من بينكم. انتظروا قليلاً. ألا تسمعونني. لن يحدث لكم شيء. ألا تفهمون! ما الذي يلتهمكم من أمامي بهذه السرعة! ثلاث درجات فقط. ليشدّني أحدكم بيده، هيّا! ألا تسمعونني. يجب أن تنقذوني. إنني واحد منكم. إنني أنتم. أنت، هات يدك. جذبة واحدة. حسنًا، دعني أدخل قبلك على الأقلّ. لا تتركني أخيرًا، إنهم يريدونني أنا لا أنت. ألا تفهم! دعني أمسك بخشبة الباب لأقف على قدميّ. إنني متعب، متعب، ابتعد عن طريقي. ادخل. ادخل! سأقذف بنفسي وراءك. هيّا.. هيّا الآن! لا تغلقوا البا... آه... آه... آآه.. آه.
- أيّها الكلب! كم أودّ لو أفرغ كلّ رصاصة معي في رأسك.
- قم الآن!
وقال الضابط وهو يضع يده على كتف الجندي:
- مع من تتحدث؟ ألم تر رجلاً مكسور العنق قبل الآن!
- ماذا...؟
وأجاب الضابط بأسف:
- لقد طار في الهواء قبل أن يتدحرج. انظر! لقد هشّم الباب وجهه.
ونظر الجنديّ الآخر نظرة تأملية ثم قال متنهدًا:
- لقد ركض عبثًا.