قصيدة من ديوان فوزي البكري
بقلم محمد شاكر عبد الله
سمعت عن الشاعر فوزي البكري، عن صراحته وجرأته وانتمائه للطبقات المسحوقة من أبناء هذا الشعب، ويعكس ديوانه "قناديل على سور المدينة" كل هذه الصفات كما يبدو من أول نظرة خارجية لجمل الديوان وكلماته. وقد ارتأيت أن يكون تعليقي على الديوان تحليلاً نقدياً موجزاً لأولى قصائده التي سمي الديوان باسمها مع اختلاف في الكلمة الأخيرة بين الحزين في عنوان الديوان والمدينة في عنوان القصيدة.
على المستوى الطباعي فالقصيدة من الشعر الحر وأخذت من الديوان ست صفحات. والبيت والواحد يتراوح بين كلمة واحدة وخمس كلمات – بما فيها حروف الجر مثلاً – باقي السطور فراغ وتتوزع الكلمات في شبه انتظام على الصفحات البيضاء الناصعة. وقسم الشاعر قصيدته إلى سبع عشرة مقطوعة، أطولها المقطوعة الأولى وأقصرها المقطوعة الأخيرة.
تبدأ المقطوعة الأولى هكذا:
يا أنبياء الفقر والصمود
في البلدة القديمة
يا أصدق الزنود
في الصبر والنضال والعزيمة
وتنتهي المقطوعة الأخيرة على هذا النحو:
وحبلة ومشنقة
لمن يهون..
أو يخون..
أو يبيع..
استعمل الشاعر على المستوى العروضي البحر الرجز وهو بحر عريق طالما خاض عبابه القدماء في قصائدهم الحماسية والقتالية وهناك قافية شبه منتظمة ومتنوعة مما يفسح المجال أمام الشاعر للانطلاق التعبيري دون أن تعيقه قيود القافية المنمطة.
المستوى الحركي: الأفعال
الأفعال في القصيدة وهي المستوى الحركي مفقودة تماماً في المقطوعة الأولى المملوءة بالخطاب المباشر. الفعل الوحيد هو تجيء في البيت الأخير:
تجيء بعد الله في العبادة
في المقطوعات التالية نجد الأفعال:
تطلبوا – رفضتم – حملتم – وضعتم – عشقتم – زرعتم – تعرضت – لو تعلمون – تهالكت – لو تعلمون – لو تعلمون – تضيئها – لو تعلمون –تداس – لو تعلمون – تلمع – لو تعلمون – لو تعلمون – ستبعثون – يجوع – يرفض – يهون – يخون – يبيع.
يغلب على الأفعال صيغة المضارع المعبرة عن الحاضر، الإطلالة على المستقبل نجدها في صيغة (لو تعلمون) التي تتكرر في مطالع المقطوعات من السابعة وحتى السابعة عشرة. فلماذا هذا الإصرار على تكرارها كاللازمة في الإيقاع. الأصل أن هذه العبارة دينية، من القرآن الكريم: "كلا ستعلمون.. ثم كلا ستعلمون.. كلا لو تعلمون علم اليقين.." (سورة التكاثر الآيات 3 – 5). فهل هو عتاب لأهل المدينة أم استشراف الشاعر لآفاق المستقبل من وراء ظلام الحاضر. من المعروف أن الشاعر هو عراف القوم يرى بحسه المرهف ما لا يراه الآخرون. ولكن ماذا عن الماضي في الأفعال رفضتم – حملتم – وضعتم – عشقتم – زرعتم – تعرضت – تهالكت؟ ألا تشير إلى مواقف يتبناها أهل المدينة: رفض المسير في جنازة الكرامة – عشق السلام – زرع الزيتون والمكافأة هي أن صدورهم تتعرض لمدفع الحاخام، وتتهالك الفراخ من ذبحة الصغير.
المحاور اللفظية
أما المستوى اللفظي فيلاحظ أن المحور الغالب هو من نوع الكلمات: الصمود، الصبر، النضال، العزيمة، شهيد، القيد والحديد، شداد، صمودكم، المفتاح والمتراس، الرفض، الصمود، الوطن (سبع مرات) يرفض الركوع.
تبدأ المقطوعة الأولى كما ذكرنا بقول الشاعر: يا أنبياء الفقر والصمود والمقطوعة الأخيرة كاملة هي : وحبلة ومشنقة لمن يهون، أو يخون أو يبيع.
هنالك إذن إلى جانب محور الوطن والصمود والمعاناة، محور مضاد يسهل اكتشافه أنه "الهوان والخيانة والبيع". ومفرداته هي: الضلالة، حثالة، سلالة الطغاة، جنازة الكرامة، مقطوعة الآذان، مقهورة الجذوع، تداس يهون، يخون، يبيع.
الصور الشعرية ترتبط بهذين المحورين المتضادين ففي محور الصمود والوطنية الذي أجاد الشاعر وصله بالتراث الديني في المدينة إسلامياً ومسيحياً هناك العاشق للوطن الشهيد في سبيله والمناضل الراسف في القيد والحديد، وطهارة النساء والأطفال وأروع أمثال النبل التي تمثل شامة وضاءة في وجنة المسيح. والصامدون واسطة القلادة، أغلى وأكبر حبات اللؤلؤ، وهم أحفاد شداد بن أوس وعبادة بن الصامت وهم التاريخ والمفتاح والمتراس وهم يحملون الأقصى ويضعون القيامة في عيونهم وهم يعشقون السلام وهم وفقاً لأول أبيات القصيدة: أنبياء الفقر والصمود في البلدة القديمة، القدس القديمة.
الصمود مقابل الهوان
مظاهر الصمود في الحسيات والمرئيات قطعة زجاج مكسورة في صحن الصخرة، عش عندليب فوق مئذنة، بحة الناقوس وآهة الآذان، الشمعة الباكية التي تضيئها الراهبة، ضمة نعناع تداس في باب العمود، طفلة جائعة في عقبة السرايا، العاشق الإنسان وبالإجمال فكل الفقراء الصامدين هم تجسيد للوطن ومن أجلهم كرس الشاعر قصيدته ووجه إليهم التحية ألف ألف قبلة وزنبقة لأنهم يجوعون ويرفضون الركوع.
في المحور المضاد هناك ركن أسود صغير يجلس فيه من وصفهم الشاعر بالحثالة لأنهم يمارسون الهوان والخيانة ويبيعون" ولأنهم الكابوس المرعب ومصدر العذاب والمعاناة والظلام الذي يحاول الشاعر اختراقه حين يسمي الأشياء والأشخاص بأسمائهم.
"قناديل على سور المدينة، وسام وضعه فوزي البكري على صدور أهالي القدس الشرفاء وبلسم لجراحاتهم، ونافذة أمل فتحها أمام أرواحهم التواقة إلى الإنعتاق من قيود الحديد، ومدفع الحاخام، دليل الزمهرير، وسقم البكاء، وتراجع التاريخ في الحرم.
سمعت عن الشاعر فوزي البكري، عن صراحته وجرأته وانتمائه للطبقات المسحوقة من أبناء هذا الشعب، ويعكس ديوانه "قناديل على سور المدينة" كل هذه الصفات كما يبدو من أول نظرة خارجية لجمل الديوان وكلماته. وقد ارتأيت أن يكون تعليقي على الديوان تحليلاً نقدياً موجزاً لأولى قصائده التي سمي الديوان باسمها مع اختلاف في الكلمة الأخيرة بين الحزين في عنوان الديوان والمدينة في عنوان القصيدة.
على المستوى الطباعي فالقصيدة من الشعر الحر وأخذت من الديوان ست صفحات. والبيت والواحد يتراوح بين كلمة واحدة وخمس كلمات – بما فيها حروف الجر مثلاً – باقي السطور فراغ وتتوزع الكلمات في شبه انتظام على الصفحات البيضاء الناصعة. وقسم الشاعر قصيدته إلى سبع عشرة مقطوعة، أطولها المقطوعة الأولى وأقصرها المقطوعة الأخيرة.
تبدأ المقطوعة الأولى هكذا:
يا أنبياء الفقر والصمود
في البلدة القديمة
يا أصدق الزنود
في الصبر والنضال والعزيمة
وتنتهي المقطوعة الأخيرة على هذا النحو:
وحبلة ومشنقة
لمن يهون..
أو يخون..
أو يبيع..
استعمل الشاعر على المستوى العروضي البحر الرجز وهو بحر عريق طالما خاض عبابه القدماء في قصائدهم الحماسية والقتالية وهناك قافية شبه منتظمة ومتنوعة مما يفسح المجال أمام الشاعر للانطلاق التعبيري دون أن تعيقه قيود القافية المنمطة.
المستوى الحركي: الأفعال
الأفعال في القصيدة وهي المستوى الحركي مفقودة تماماً في المقطوعة الأولى المملوءة بالخطاب المباشر. الفعل الوحيد هو تجيء في البيت الأخير:
تجيء بعد الله في العبادة
في المقطوعات التالية نجد الأفعال:
تطلبوا – رفضتم – حملتم – وضعتم – عشقتم – زرعتم – تعرضت – لو تعلمون – تهالكت – لو تعلمون – لو تعلمون – تضيئها – لو تعلمون –تداس – لو تعلمون – تلمع – لو تعلمون – لو تعلمون – ستبعثون – يجوع – يرفض – يهون – يخون – يبيع.
يغلب على الأفعال صيغة المضارع المعبرة عن الحاضر، الإطلالة على المستقبل نجدها في صيغة (لو تعلمون) التي تتكرر في مطالع المقطوعات من السابعة وحتى السابعة عشرة. فلماذا هذا الإصرار على تكرارها كاللازمة في الإيقاع. الأصل أن هذه العبارة دينية، من القرآن الكريم: "كلا ستعلمون.. ثم كلا ستعلمون.. كلا لو تعلمون علم اليقين.." (سورة التكاثر الآيات 3 – 5). فهل هو عتاب لأهل المدينة أم استشراف الشاعر لآفاق المستقبل من وراء ظلام الحاضر. من المعروف أن الشاعر هو عراف القوم يرى بحسه المرهف ما لا يراه الآخرون. ولكن ماذا عن الماضي في الأفعال رفضتم – حملتم – وضعتم – عشقتم – زرعتم – تعرضت – تهالكت؟ ألا تشير إلى مواقف يتبناها أهل المدينة: رفض المسير في جنازة الكرامة – عشق السلام – زرع الزيتون والمكافأة هي أن صدورهم تتعرض لمدفع الحاخام، وتتهالك الفراخ من ذبحة الصغير.
المحاور اللفظية
أما المستوى اللفظي فيلاحظ أن المحور الغالب هو من نوع الكلمات: الصمود، الصبر، النضال، العزيمة، شهيد، القيد والحديد، شداد، صمودكم، المفتاح والمتراس، الرفض، الصمود، الوطن (سبع مرات) يرفض الركوع.
تبدأ المقطوعة الأولى كما ذكرنا بقول الشاعر: يا أنبياء الفقر والصمود والمقطوعة الأخيرة كاملة هي : وحبلة ومشنقة لمن يهون، أو يخون أو يبيع.
هنالك إذن إلى جانب محور الوطن والصمود والمعاناة، محور مضاد يسهل اكتشافه أنه "الهوان والخيانة والبيع". ومفرداته هي: الضلالة، حثالة، سلالة الطغاة، جنازة الكرامة، مقطوعة الآذان، مقهورة الجذوع، تداس يهون، يخون، يبيع.
الصور الشعرية ترتبط بهذين المحورين المتضادين ففي محور الصمود والوطنية الذي أجاد الشاعر وصله بالتراث الديني في المدينة إسلامياً ومسيحياً هناك العاشق للوطن الشهيد في سبيله والمناضل الراسف في القيد والحديد، وطهارة النساء والأطفال وأروع أمثال النبل التي تمثل شامة وضاءة في وجنة المسيح. والصامدون واسطة القلادة، أغلى وأكبر حبات اللؤلؤ، وهم أحفاد شداد بن أوس وعبادة بن الصامت وهم التاريخ والمفتاح والمتراس وهم يحملون الأقصى ويضعون القيامة في عيونهم وهم يعشقون السلام وهم وفقاً لأول أبيات القصيدة: أنبياء الفقر والصمود في البلدة القديمة، القدس القديمة.
الصمود مقابل الهوان
مظاهر الصمود في الحسيات والمرئيات قطعة زجاج مكسورة في صحن الصخرة، عش عندليب فوق مئذنة، بحة الناقوس وآهة الآذان، الشمعة الباكية التي تضيئها الراهبة، ضمة نعناع تداس في باب العمود، طفلة جائعة في عقبة السرايا، العاشق الإنسان وبالإجمال فكل الفقراء الصامدين هم تجسيد للوطن ومن أجلهم كرس الشاعر قصيدته ووجه إليهم التحية ألف ألف قبلة وزنبقة لأنهم يجوعون ويرفضون الركوع.
في المحور المضاد هناك ركن أسود صغير يجلس فيه من وصفهم الشاعر بالحثالة لأنهم يمارسون الهوان والخيانة ويبيعون" ولأنهم الكابوس المرعب ومصدر العذاب والمعاناة والظلام الذي يحاول الشاعر اختراقه حين يسمي الأشياء والأشخاص بأسمائهم.
"قناديل على سور المدينة، وسام وضعه فوزي البكري على صدور أهالي القدس الشرفاء وبلسم لجراحاتهم، ونافذة أمل فتحها أمام أرواحهم التواقة إلى الإنعتاق من قيود الحديد، ومدفع الحاخام، دليل الزمهرير، وسقم البكاء، وتراجع التاريخ في الحرم.