شرارة تحت القمة البيضاء
كُـتِبَـت هـذه القـصيـدة في آذار 1987 واُلـقـيـت في حفـل ازاحة الستار عن نصب سُلطـان باشـا الأطــرش فـي سـاحـة مـجـدل شـمـس، عاصمـة الجـولان السوري المحتل، في 4 نيسان 1987.
أَرَأَيْـتَ عِـمْلاقـاً وقَـدْ بَـلَغَ الـذُّرى
أُنْـظُرْ الى الجولان مَبْهوراً تَـرَى
هـذا تُـرَابٌ مُـنْـجـِـبٌ فـي غَرْسِـهِ
عِطْرَاً وفي الإنْسَان يُنْجِبُ عَبْقَرَا
أَرْضٌ طَـبـيــعـتُـهـا عَـطـاءٌ دائـمٌ
ورجالُها في الـرَّوْعِ آسادُ الشَّـرى
لانَـتْ لَـهُـمْ كالـمـاءِ فَـوْقَ عُـبَـابِهِ
صَرْحٌ مِنَ الأبْطالِ يُشْرِعُ مُبْحِرا
فـَإِذا بِـهِــمْ يَــومَ الـنِّـدا وإذا بِـهــا
خَـشِـنُـوا رَبَـابِـنَـة ً ورقَّتْ مَـعْـبَرَا
* * *
جَـلَسَتْ على عَرْشِ الربيعِ أميرةً
تَــغْــلـي بـهــاءً لا أَجـلَّ وأَبـْـهَـرا
نَثَرَتْ على وَجْـهِ البُحَيـرةِ فِـضَّـة ً
وعلى جَـَدائِلهـا عـقـيقـاً أَخْـضَـرا
واسْـتَحْضَرَتْ شُهـَدَاءَها فتزيَّنـَتْ
بخلـودِ ذِكْـراهُـمْ شـقـيـقـاً أَحـْمـَرا
جـنَّـاتُ عَـدْنٍ إِنْ وَطِئْتَ أَدِيمَهَـا
ألْـفَيْتَـها بَـيْنَ الـخَـمَـائِـل حُـضـَّرَا
فـإِذا تـفـيَّـأتَ الـظِّـلالَ فَـَرْوضَــة ً
وإذا رَشَـفْـتَ مِنَ الرحيقِ فكوْثرا
لـو ذاقَ آدمُ مِـنْ جَـنَــا تُـفَّـاحِـهَــا
تَـرَكَ الفَـرَاديـسَ الـعُـلا مُتَخَـيِّـرا
* * *
يَـا هَـضْبَـة َ الأحْـرَارِ تيهي عِــزَّةً
وتباركـي أرْضـاً وطيبي مَعْشَـرا
ضاهَيْتِ في المِضمارِ كُلَّ أصيلةٍ
وَكَـبَـا سِـــواكِ تَــردُّداً وَتَـعَــثُّــرا
مُنِحَـتْ بساتـيـنُ الوجـودِ نضـارةً
وَمُـنِحْـتِ بُسْتـانَ النَّضـارةِ مُثْمِرا
* * *
جـولانُ مَدْرَسَـةُ النِّضـالِ ورمْـزُهُ
لِلَّهِ مَـجْـدُكَ يا جلـيلُ، ألا تَـرى؟!
أَنْـتَ الذي نَـفَـحَ الجـبالَ صلابـة ً
مَـا بَـالُ صَـخْـرِكَ لـيِّـنـاً مُتكسِّرا
أيـنَ الميـاميـنُ الَّـذينَ تَوَاضَعَـتْ
مِـنْ تَـحْتِهِـمْ قِمَـمُ العُـروبة مِنْبرا
هَـلا لَـمَـحْـتَ على التـلالِ سَـريَّة ً
لا كـانـتِ العينـانِ إِنْ لَـمْ تَـنْـظُـرَا
حَفِظُـوا عُـرُوبَتَهُمْ وما هانـوا بِهـا
حتى تفيـضَ الـرُّوحُ أو تَـتَـحرَّرا
* * *
كَـان الـدُّروزُ على المدى أُمْثولـة ً
طَـوَتِ القرونَ زكيَّة ً والأعصُـرا
بَـقـِيَـتْ بِهِـمْ مِنْ مَيْسَـلُـونَ كتيبـة ٌ
أَعْظِـمْ بِهِـمْ خُلُقاً وأكْرِمْ عُنْصُـرا
تَهْفو القلوبُ الى روافِـدِ جُودِهِـمْ
لا يَنْفرُ الضِّيفَانُ مَا طَابَ القِرَى
سيُـخلِّـدُ التـاريـخُ يـومَ صمودِهـم
وَكَتَـائِـبُ الطُّغْيَـانِ تَنْتَهِكُ القـُـرى
رَفَضُوا هُويَّـةَ مَنْ يحـلُّ ديارَهَـمْ
دَنِسَـاً وَيَعْبُـرهـا دخـيـلاً مُنْكَـرَا
وتوحَّدوا بالارض حتى أصبحوا
مَـثَـلاً عـلـى الأيــامِ لَـنْ يَـتَكَـرَّرا
بِالفِـعْـلِ لا بِالقَوْلِ أثبتَ عَـزْمُهُـمْ
أنَّ الـمـبـادئ لا تُبَـاعُ وتُـشْـتَـرَى
صَـامـوا لِـغَـيْـرِ تَـنَـسُّـكٍ وَعِـبَـادةٍ
لَكِـنْ صِيَـامَ الـعَـاشِـقـيـنَ تَـحَـرُّرا
مَـنْ صامَ عن ذلٍّ صبيحة َ رفضِهِ
لا ريبَ في عصرِ الكرامةِ أفطرا
صَبَـرُوا على نَـار الحِصَارِ كأنَّـها
نـيـرانُ ابــراهـيـمَ بَـرْدَاً مـُجـمَـرا
والقِـمَّةُ الـبَيْضَـاءُ تَـحْـتَ ثُـلوجـِهَا
بُـرْكَـانُ رَفْـضٍ كَـاد ان يَـتَـفَـجَّرا
لـولا فُـتـورٌ فـي مَعِـيـنِ نِـضَـالِـهِ
يا قاسَيُـونُ فِـدَاكَ شامخـة ُ الـذُّرى
وَقَـفَ الطُّـغـاةُ الغَاصِبُـون بِبَابِهِمْ
أسْطـورةً هَـزْلى وَهَـوْلاً مُفْـتَرى
غُصَّتْ بأشْـوَاكِ الهَـوَانِ حُلُوقُهُمْ
وتوقَّعـوا ظَفَـرَاً فَعَـادوا القَهْقَـرَى
يا قـارئ التَّـاريخ راجـِعْ صَفْحَة ً
أرأيتَ ما فعل الغُرورُ بِهِتْـلَرا؟!
هِيَ سُنْـةٌ كَتَبَ الزَّمانُ قضاءَهـا
لا بُــدَّ لــلاقْــدَارِ أن تَــتَـغَـيَّـــرا
* * *
يَـتَـفَـرَّطُ الـنَّـاسُ العُـهُـودَ جَـهَـالَـة ً
والعهدُ في الجولانِ موثوقُ العُرى
بَـذَلَـتْ فَـلـسْـطـيـنٌ إلـيــكِ مَـــوَدَّةً
فَـبَــذَلْـتِـهـا ودَّاً وحُــبَّـــاً أَكْــبَــــرَا
أُخْـتَــان لا تَـتَـقَـطَّـعــان وشـيـجـة ً
مَهْـما اصـابَ التَّوْأمَيْنِ أوِ اعْتَـرى
فَـإِذا تـألَّـم فـي الجـنـوبِ مُـجَــرَّحٌ
هَـبَّ الشَّـمـالُ مُـواسِـيـاً ومُـشَـمِّرا
تَـتَـيَـقَّـظـانِ لِـكُـلِّ أَرْقَــطَ كَــامِــنٍ
والشَّـرْقُ بالأحـلامِ مَعْسُولُ الكَرَى
جَـسَّـدتُـمَا مَـعْـنَى الإِبَـاءِ وَشَـكْـلـَـهُ
وَفَجَـرْتُـما نَبْـعَ البُطُـوْلـةِ مَـصْدرا
وَغَدَوْتُـمـا لِـذَوِي الـمُـروءَةِ قِـبْـلَـةً
وَلِكُلِّ مَـنْ عَشَـقَ الكَرَامَـةَ مَشْعرا
وَالَـيكُـمَـا نَـسَـبَ الـفِـدَاءُ أُصُـولـَهُ
قِمَمُ الخُـلُودِ أَعَـزُّ مِـنْ أنْ تُقْهَـرا
* * *
يَـا مَجْـدَلاً لِلشَّـمْـسِ بَـلْ يَا نورَها
يَـا بُؤْبُـؤَ الإِلهـامِ في عينِ الـوَرَى
دومـي علـى أُفُـقِ الليَـالي نَـجْـمَـةً
يُهْدَى بها الأحْرارُ عُشَّـاقُ السُّرَى
هَـذا أَمِـيْـرُكِ فـي رِحَـابِـكِ مَـاثِـلٌ
أَحْـرَى بِـطَـائلِ غَيبةٍ أنْ يَحْضُرا
سُـلْـطـانُ.. ما سُلطـانُ إِلا ثـائِــرٌ
جَعَـلَ البَنَـادِقَ للتَّحَـرُّرِ مِـحْــوَرا
وَحِـجَـارَةُ التِّـمْـثَالِ تَرْسُمُ صُـوْرَةً
وَحِجَارَةُ الأَطْفَالِ تُثْبِـتُ جَـوْهَـرَا