شرح الرموز بالشعر المباشر
يا أُمَّ حُزْني كُلُّ شَيْءٍ في النِّهايَةِ سَوْفَ تُدْرِكُهُ النِّهايَة.
إنْ نَحْنُ لَمْ نُكْمِلْ حِكايَتَنا سَتُكْمِلُنا الحِكايَة،
مِمّا يَشاءُ الـمُعْتَدونَ عَلى الكَلامِ لِيَحْفُروا قَبْرًا لَنا في الفَلْسَفَة،
وَيُؤَلِّفوا وِجْدانَنا مِنْ لَوْثَةِ الصُّوفِيِّ كَيْ تَلِدَ الرُّموزُ حَضيضَنا شَغَفًا
يُلاحِقُنا الخَلاصُ كَأَنَّهُ سَيْفٌ وَيُدْرِكُنا يَقينُ الأَرْصِفَة:
ما كانَ كانَ
وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ سِوى ما لَمْ يَكُنْ لِيَكونَ
وَالتّاريخُ كَشْفٌ بِالـحَماقاتِ القَديمَةِ لِلشُّعوبِ
يُغادِرُ الآباءُ كَيْ يَجِدَ البَنونَ طَريقَهُمْ لِلْمَعْرِفَة.
يا أُمَّ حُزْني كَمْ هَجَرْتُ الشِّعْرَ
لكِنْ كَمْ كَتَبْتُ الشِّعْرَ حِينَ تَدوسُني قَدَمُ القَصيدَةِ
وَهيَ تَخْرُجُ مِنْ مَخادِعِهِمْ بَغِيّاً تَرْتَدي ثَوْبَ الصَّلاةِ
إلى طُقوسٍ لَمْ تُمارِسْ مِثْلَها حَتّى الكِهانَة.
وَتُضيءُ شَمْعَتَها لِثاكِلَةٍ
وَتَسْرِقُ حُزْنَها لِيَكونَ أَوْسِمَةً تُعَلِّقُها عَلى شَرَفِ الخِيانَة.
قَدْ يَكْذِبُ الأَعْمى عَلى وَضَحِ النَّهارِ لأَنَّهُ أَعْمى
وَلَقَدْ نُصَدِّقُهُ
نَرى الخِنْزيرَ قِدِّيسًا
وَلكِنْ كَيْفَ نَفْعَلُ بِالنَّتانَة؟
هَلْ نَحْنُ حَمْقَى الأَرْضِ أَمْ أَوْغادُها
لِنَظُنَّ أَنَّ خِيانَةَ الأَوْطانِ جائِزَةٌ
إذا اعْتَذَرَ العَميلُ بِقِصَّتَيْنِ عَلى فِراشِ الـمَوْتِ عَنْ حَيْفا
وَأَلْقى خُطْبَتَيْنِ عَنِ النَّدَمْ.
وَأَقامَ في حَيْفا يُنادِمُ لَيْلَها
وَيَبولُ فَوْقَ تُرابِها رُغْمًا عَنِ «الأَعْداءِ»
تَحْميهِ الوَثائِقُ عَنْ خِيانَتِهِ العَريقَةِ مِنْ مَكائِدِهِمْ وَيَحْرُسُهُ القَسَمْ.
كَمْ كانَ صِدِّيقًا وَزِنْديقًا لِيَخْدِمَ شَعْبَهُ،
أَعْطاهُ ثُلْثَ بِلادِهِ غَصْبًا
وَطائِرَةً لِتَرْسيمِ الحُدودِ
وَحينَ أَدْرَكَهُ صُمودُ الـمُقْعَدينَ
أَقامَ مَدْرَسَةً لِشَرْحِ الشَّاعِرِ الأَعْمى
لِيَشْرَحَهُ عَلى التَّأْويلِ، إنَّ لَهُ قَدَمْ
في صَنْعَةِ التَّرْميزِ
سَوْفَ يُبادِلُ النِّسْيانَ بِالنِّسْيانِ
مَقْتولٌ كَقاتِلِهِ،
وَدَرْبٌ واحِدٌ لِلْمَغْفِرَة.
سَيَرى مُعَلِّمَهُ بِإصْبَعِ رُوحِهِ فَوْقَ الصَّليبِ
لأَنَّهُمْ دَفَنوهُ مَمْدودَ اليَدَيْنِ عَلى غِرارِ الطّائِرَة.
وَيُحِبُّ «ريتا» في مُعَلِّمِهِ
فَإنَّ الرَّمْزَ بَحْرٌ كَالنُّبُوَّةِ لا حُدودَ لَهُ
وَدَرْبٌ واحِدٌ لِلْمَغْفِرَة.
قالَ المُعَلِّمُ لِلْفَتى:
هذا زَمانٌ آخَرٌ
لا عَيْبَ فيهِ سِوَى الشَّهيدِ أَوِ السَّجينِ
يَضيعُ في كَهْفِ الغِيابِ عَنِ الحَضارَة.
أَوْ مَنْ يَظُنُّ تَمازُجَ الأَضْدادِ
ما بَيْنَ الخِيانَةِ وَالتَّمَتُّعِ بِالنِّضالِ
بِدونِ إحْراقِ الجُسورِ مَعَ العَدُوِّ هُوَ الدَّعارَة.
يَتَعَقَّبُ التّاريخَ بِالتّاريخِ
مِثْلَ مُقامِرٍ يَسْعى لِتَعْويضِ الخَسارَةِ بِالخَسارَة.
لا يَفْهَمُ التّاريخَ إلاّ أَنَّهُ ماضٍ تُرَمِّمُهُ العُصورُ
تُعيدُ لِلْمَنْفِيِّ مَوْطِنَهُ وَلِلْمَهْزومِ في الحَرْبِ انْتِصارَهْ.
مِثْلَ «امِّ أَنْطو» أَسْقَطَتْ عَنْ كاحِلَيْها سُورَ عَكّا
ثُمَّ أَعْطَتْ بابَ قَلْعَتِها القَديمَ لِإبْنِها «أَنْطو»
وَقالَتْ دُرْ بِهِ يا ابْني عَلى دُورِ الصِّيانَة
لِيُعيدَهُ التَّرْميمُ مَفْخَرَةَ العُبورِ إلى رُواقِ اللَّذَّةِ الكُبْرى،
فَكَيْفَ لَها بِذاتِ الخَيْلِ تَعْبُرُهُ وَقَدْ ذَبُلَ الجُموحُ بِها
وَأَيْنَ فَوارِسٌ زالوا عَنِ الصَّهَواتِ
مِثْلَ ثِيابِها وَشْكَ التَّسَنُّمِ وَاسْتَراحُوا في العِنانَة.
ما زالَ مَوْجُ الشَّطِّ يُبْحِرُ في تَأَوُّهِ «أُمِّ أَنْطو» في لَيالي الصَّيْفِ
حِينَ يَمَلُّ ساقاها قَميصَ النَّوْمِ
لَمْ يَخْمَدْ لَها شَبَقٌ
وَلكِنْ كَيْفَ يُبْحِرُ زَوْرَقُ الشَّهْواتِ
في وَشْلٍ تُغَطِّيهِ الطَّحالِبُ وَالصِّنانَة.
قالَ المُعَلِّمُ لِلْفَتى:
لَيْسَ الرُّجوعُ سِوى أَكاذيبِ التَّطَلُّعِ
كَمْ أَضَعْنا في التَّلَفُّتِ مِنْ نِساءٍ في دِمَشْقَ وَفي حَلَبْ.
وَلَكَمْ أَضَعْنا في مَرايا السَّبْتِ مِنْ أَحَدٍ لِيَمْكُثَ غَيْرُنا فينا
وَنُعْطي لِلسِّياسَةِ عُرْسَها أَدَبًا عَلى حَجَرٍ تُزَيِّنُهُ الحُروبُ
وَنَخْتَفي عِنْدَ انْتِهاءِ الحَرْبِ قَتْلى لا دِماءَ لَهْمْ
وَيُنْكِرُنا الأَدَبْ.
قالَ المُعَلِّمُ لِلْفَتى:
قُمْ مِنْ نَشيدِكَ نَحْوَ مَلْحَمَةِ الوُجودِ