شدوان
شَـــدْوان
أَدْخُلُ ...
بَدْءًا في التَّكْوينِ عَلَيْهِ ثِيابُ العُرْسِ، نَهارًا أنْقَى مِنْ جَسَدِ الطِّفْلْ.
أسْمَعُ هَمْسًا لا يُشْبِهُ صَوْتَ الرِّيحِ، كَأنَّ الأرْضَ تَبوحُ بِشَيْءٍ فيهْ.
حَقّاً،
إنَّ صُخورَ الكَرْمِلِ مِنْ جِهَةِ البَحْرِ لَها قَسَماتٌ وَمَلامِحُ، فَكَأنَّ وُجوهًا تَخْتَلِسُ النَّظَرَ إلَيْكَ مِنَ الصَّخْرِ وَتوشِكُ أنْ تَتَكَلَّمْ.
لَمْ يَسْكَرْ «شَدْوانُ» بِخَمْرٍ كاذِبَةٍ...!
هذي الأرْضُ مُغَمَّسَةٌ بِنَوايا العِشْقِ، لَها إطْلالَةُ نَهْدٍ عَبْرَ الثَّوْبِ، وَطَرْفُ امْرَأةٍ في التَّقْبيلْ.
لا يَزْعُمُ أسْرارَ الكَوْنِ سِوى الشُّعَراءِ، وَلكِنّي وَتَرٌ حَمَّلَهُ «شَدْوانُ» العَزْفْ...
ناوَلَني البَحْرُ حَنينَ السَّفَرِ الغامِضِ، فَـتَبدَّلْتُ عَلى طَرَفِ الرِّحْلَةِ، وَسَكِرْتُ بِكَأسٍ فيها أسْرارُ الخَمْرِ جَميعًا.
كَلَّمْتُ الصَّخْرَ، فَرَدَّ عَلَيّ.
(مَرَرْتُ بِشَدْوانَ عَلى بابِ اللَّيْلِ، يُفَتِّشُ عَنْ شَيْءٍ وَالرِّيحُ البارِدَةُ تُفَتِّشُ خَلْفَ مَلابِسِهِ.
«لا يَخْرُجُ في هذا اللَّيْلِ سِوى شَبَحٍ».
- مَنْ أنْتْ!
- أنا لا أعْرِفُ أحَدًا غَيْرَ المَطَرِ هُنا.
- هَلْ تَأتي لِمُلاقاةِ المَطَرِ إذا جاءْ؟
- لا. يَأتي المَطَرُ إذا جِئْتُ.
«هَلْ يَخْرُجُ في هذا اللَّيْلِ سِوى مَجْنونٍ؟».
- إِصْعَدْ كَيْ أوصِلَكَ إلى بابِ دِمَشْقْ!
- إنْزِلْ كَيْ تَغْتَسِلَ مَعي!)
تَبَدَّلْتُ عَلى «دَرَجِ الحورِيَّةِ» كَعَلاماتِ الضَّوْءِ، دَخَلْتُ زَمانًا آخَرَ، صارَ العالَمُ خَلْفي.
أشْرَقَ فِيَّ البَحْرُ كَأنّي سَهْلٌ يَمْتَدُّ، دَخَلْتُ هُدوءَ الصَّوْتِ المُقْبِلِ نَحْوَ السّاحِلِ كَنَشيدٍ أُمَمِيّ.
لا تُؤْمِنْ إلاّ لِلْبَحْرْ!
(- لماذا تَرْفُضُ يا «شَدْوانُ» العالَمْ؟
لَيْسَ هُناكَ مَكانٌ غَيْرَ العالَمِ تَقْصُدُهُ.
- ألعالَمُ لَيْسَ مَكانًا!
ألعالَمُ أُمٌّ.
ثَدْيٌ يَعْرِفُهُ الطِّفْلُ بِشَفَتَيْهِ.
ألعالَمُ عُشُّ الطّائِرِ وَوِجارُ الكَلْبِ وَثُقْبُ الأفْعَى.
رَجُلٌ يَطْرُقُ في اللَّيْلِ البارِدِ بابَ حَبيبَتِهِ.
- إخْتَرْ لَكَ شَيْئًا!
- إخْتَرْتُ مَغارَةَ «يامُوتَ» عَلى خاصِرَةِ الكَرْمِلِ مِنْ جِهَةِ البَحْرْ.
هُنالِكَ «دَرَجُ الحورِيَّةِ» يَنْتَظِرُ، كَما أَنْتَظِرُ، وَلكنَّ الدَّرْبَ طَويلٌ وَكَذوبٌ كَالعادَة.
لا تُؤمِنْ إلاّ لِلْبَحْرْ!
- هَلْ تَعْرِفُ كَيْفَ تَعودُ إلَيْها؟
- كُلُّ الأمْواجِ سَتَصِلُ إلى الشّاطِئِ مَهْما طالَ السَّفَرُ، أوِ اسْتَبْدَلَتِ الرِّيحُ مَوانِئَها.)
يَرْفُضُ قَدَمَيَّ الصَّخْرُ، تُدَحْرِجُني الخُطُواتُ عَلى الألَمِ الصَّلْدِ، تُنَقِّلُني كَعَصا الأعْمى.
لا تُؤمِنْ إلاّ لِلْبَحْرْ!
هَلْ يَصْعَدُ - مَثَلاً - «دَرَجُ الحورِيَّةِ» نَحْوَ القِمَّةِ، أَمْ يَهْبِطُ نَحْوَ القاعْ؟
تعليق:
تقول الأسطورة أن «درج الحوريّة» هو المكان الذي صعدت منه حوريّة البحر لمضاجعة الإله الكنعانيّ «أنْليلْ». ولكنه أيضًا هو المكان الذي نزلت منه «أوشيرَة» زوجة «أنْليلْ» لمضاجعة عِجْل البحر انتقامًا من خيانة زوجها. ومن اللقاء بين «أنْليلْ» وحوريّة البحر وُلدت بلاد الإغريق، بينما وَلدت «أوشيرَة» الكهوفَ والعواصفَ والدوّامات البحريّة وذلك بسبب لعنة «أنْليلْ».
وقد أخبرني «شدوان» بأنّ «أنْليلَ» لعنَ البقعة التي اضطجعت فيها «أوشيرَه» مع عِجْل البحر ونفاها من الزمن، وهي الفجوة ذاتها التي حُبس فيها «ياموت» والتي تقع تحت «درج الحوريّة» مباشرةً.
(يوشِكُ زَمَنُ الغَفْلَةِ أنْ يَنْفَدْ.
أسْرابُ الطَّيْرِ تَـمُرُّ عَلى عَجَلٍ نَحْوَ البَحْرِ.
سَأُطْلِقُهُ!
- إشْرَبْ كَأسًا أُخْرى! مَنْ تُطْلِقُ؟
- «ياموتَ» سَليلُ الفَرَحِ الغامِرِ. مَعْبودَ الرَّبَّةِ. مَلِكَ مُلوكِ العِشْقِ الكَنْعانِيّ.
- لا أعْرِفُهُ! إشْرَبْ!
هَلْ يُطْلِقُ أحَدٌ مَلِكًا مِنْ مَحْبَسِهِ؟!
- ذلكَ مَلِكُ الفُقَراءْ.
- إشْرَبْ!
إنَّ الصَّلْبَ أشَدُّ عَلَيْهِ مِنَ السَّجْنْ.
دَعْهُ يَعيشُ قَليلاً!
- لا يَسْخَرُ أحَدٌ مِنْ «ياموتْ».
- أسْمِعْني قِصَّتَهُ!)
أَدْخُلُ ...
بَدْءًا في التَّكْوينِ عَلَيْهِ ثِيابُ العُرْسِ، نَهارًا أنْقَى مِنْ جَسَدِ الطِّفْلْ.
أسْمَعُ هَمْسًا لا يُشْبِهُ صَوْتَ الرِّيحِ، كَأنَّ الأرْضَ تَبوحُ بِشَيْءٍ فيهْ.
حَقّاً،
إنَّ صُخورَ الكَرْمِلِ مِنْ جِهَةِ البَحْرِ لَها قَسَماتٌ وَمَلامِحُ، فَكَأنَّ وُجوهًا تَخْتَلِسُ النَّظَرَ إلَيْكَ مِنَ الصَّخْرِ وَتوشِكُ أنْ تَتَكَلَّمْ.
لَمْ يَسْكَرْ «شَدْوانُ» بِخَمْرٍ كاذِبَةٍ...!
هذي الأرْضُ مُغَمَّسَةٌ بِنَوايا العِشْقِ، لَها إطْلالَةُ نَهْدٍ عَبْرَ الثَّوْبِ، وَطَرْفُ امْرَأةٍ في التَّقْبيلْ.
لا يَزْعُمُ أسْرارَ الكَوْنِ سِوى الشُّعَراءِ، وَلكِنّي وَتَرٌ حَمَّلَهُ «شَدْوانُ» العَزْفْ...
ناوَلَني البَحْرُ حَنينَ السَّفَرِ الغامِضِ، فَـتَبدَّلْتُ عَلى طَرَفِ الرِّحْلَةِ، وَسَكِرْتُ بِكَأسٍ فيها أسْرارُ الخَمْرِ جَميعًا.
كَلَّمْتُ الصَّخْرَ، فَرَدَّ عَلَيّ.
(مَرَرْتُ بِشَدْوانَ عَلى بابِ اللَّيْلِ، يُفَتِّشُ عَنْ شَيْءٍ وَالرِّيحُ البارِدَةُ تُفَتِّشُ خَلْفَ مَلابِسِهِ.
«لا يَخْرُجُ في هذا اللَّيْلِ سِوى شَبَحٍ».
- مَنْ أنْتْ!
- أنا لا أعْرِفُ أحَدًا غَيْرَ المَطَرِ هُنا.
- هَلْ تَأتي لِمُلاقاةِ المَطَرِ إذا جاءْ؟
- لا. يَأتي المَطَرُ إذا جِئْتُ.
«هَلْ يَخْرُجُ في هذا اللَّيْلِ سِوى مَجْنونٍ؟».
- إِصْعَدْ كَيْ أوصِلَكَ إلى بابِ دِمَشْقْ!
- إنْزِلْ كَيْ تَغْتَسِلَ مَعي!)
تَبَدَّلْتُ عَلى «دَرَجِ الحورِيَّةِ» كَعَلاماتِ الضَّوْءِ، دَخَلْتُ زَمانًا آخَرَ، صارَ العالَمُ خَلْفي.
أشْرَقَ فِيَّ البَحْرُ كَأنّي سَهْلٌ يَمْتَدُّ، دَخَلْتُ هُدوءَ الصَّوْتِ المُقْبِلِ نَحْوَ السّاحِلِ كَنَشيدٍ أُمَمِيّ.
لا تُؤْمِنْ إلاّ لِلْبَحْرْ!
(- لماذا تَرْفُضُ يا «شَدْوانُ» العالَمْ؟
لَيْسَ هُناكَ مَكانٌ غَيْرَ العالَمِ تَقْصُدُهُ.
- ألعالَمُ لَيْسَ مَكانًا!
ألعالَمُ أُمٌّ.
ثَدْيٌ يَعْرِفُهُ الطِّفْلُ بِشَفَتَيْهِ.
ألعالَمُ عُشُّ الطّائِرِ وَوِجارُ الكَلْبِ وَثُقْبُ الأفْعَى.
رَجُلٌ يَطْرُقُ في اللَّيْلِ البارِدِ بابَ حَبيبَتِهِ.
- إخْتَرْ لَكَ شَيْئًا!
- إخْتَرْتُ مَغارَةَ «يامُوتَ» عَلى خاصِرَةِ الكَرْمِلِ مِنْ جِهَةِ البَحْرْ.
هُنالِكَ «دَرَجُ الحورِيَّةِ» يَنْتَظِرُ، كَما أَنْتَظِرُ، وَلكنَّ الدَّرْبَ طَويلٌ وَكَذوبٌ كَالعادَة.
لا تُؤمِنْ إلاّ لِلْبَحْرْ!
- هَلْ تَعْرِفُ كَيْفَ تَعودُ إلَيْها؟
- كُلُّ الأمْواجِ سَتَصِلُ إلى الشّاطِئِ مَهْما طالَ السَّفَرُ، أوِ اسْتَبْدَلَتِ الرِّيحُ مَوانِئَها.)
يَرْفُضُ قَدَمَيَّ الصَّخْرُ، تُدَحْرِجُني الخُطُواتُ عَلى الألَمِ الصَّلْدِ، تُنَقِّلُني كَعَصا الأعْمى.
لا تُؤمِنْ إلاّ لِلْبَحْرْ!
هَلْ يَصْعَدُ - مَثَلاً - «دَرَجُ الحورِيَّةِ» نَحْوَ القِمَّةِ، أَمْ يَهْبِطُ نَحْوَ القاعْ؟
تعليق:
تقول الأسطورة أن «درج الحوريّة» هو المكان الذي صعدت منه حوريّة البحر لمضاجعة الإله الكنعانيّ «أنْليلْ». ولكنه أيضًا هو المكان الذي نزلت منه «أوشيرَة» زوجة «أنْليلْ» لمضاجعة عِجْل البحر انتقامًا من خيانة زوجها. ومن اللقاء بين «أنْليلْ» وحوريّة البحر وُلدت بلاد الإغريق، بينما وَلدت «أوشيرَة» الكهوفَ والعواصفَ والدوّامات البحريّة وذلك بسبب لعنة «أنْليلْ».
وقد أخبرني «شدوان» بأنّ «أنْليلَ» لعنَ البقعة التي اضطجعت فيها «أوشيرَه» مع عِجْل البحر ونفاها من الزمن، وهي الفجوة ذاتها التي حُبس فيها «ياموت» والتي تقع تحت «درج الحوريّة» مباشرةً.
(يوشِكُ زَمَنُ الغَفْلَةِ أنْ يَنْفَدْ.
أسْرابُ الطَّيْرِ تَـمُرُّ عَلى عَجَلٍ نَحْوَ البَحْرِ.
سَأُطْلِقُهُ!
- إشْرَبْ كَأسًا أُخْرى! مَنْ تُطْلِقُ؟
- «ياموتَ» سَليلُ الفَرَحِ الغامِرِ. مَعْبودَ الرَّبَّةِ. مَلِكَ مُلوكِ العِشْقِ الكَنْعانِيّ.
- لا أعْرِفُهُ! إشْرَبْ!
هَلْ يُطْلِقُ أحَدٌ مَلِكًا مِنْ مَحْبَسِهِ؟!
- ذلكَ مَلِكُ الفُقَراءْ.
- إشْرَبْ!
إنَّ الصَّلْبَ أشَدُّ عَلَيْهِ مِنَ السَّجْنْ.
دَعْهُ يَعيشُ قَليلاً!
- لا يَسْخَرُ أحَدٌ مِنْ «ياموتْ».
- أسْمِعْني قِصَّتَهُ!)