موقع الشاعر فوزي البكري
  • موقع الشاعر فوزي البكري
  • أحمد حسين
    • أجراس _ أحمد حسين
    • أحمد حسين-مقالات >
      • تأبين النصّ في نصّ التأبين
      • رسالة على زجاج النافذة
    • قصص قصيرة-أحمد حسين >
      • انهيار >
        • 2...
        • شيء فلسطيني
        • الشوط الرابع
      • محطة الباصات المركزية >
        • وفاة شموئيل ملينكي
        • الوجه والعجيزة
        • تغييرات في الصلاة الإبراهيمية
      • القتل والموسيقى >
        • المطاردة
        • الماعز
        • قاعدة المثلث
      • السمكة >
        • الملك
        • المؤامرة
        • هول
      • فتوى جحا
      • سرايا القمر
      • العراب الأشيب
    • بالحزن افرح من جديد >
      • عزف منفرد على شرفة مهجورة
      • قصيدة بالحزن أفرح من جديد
    • عنات >
      • مقدمة الصوت لديوان عنات
      • مقدمة المؤلف لديوان عنات
      • بَدْءُ الرِّحْلَةِ وَمَرْثِيَّةُ القُرو
      • شَرْحُ الرُّموزِ بِالشِّعْرِ الـمُباشِر
      • أحمد حسين - قصائد >
        • رباعيات الغياب
        • أغنية البنفسج
      • شدوان
      • أسطورة "ياموت"
      • مائدة العشق
      • خطبة الرجل الغامض
      • المَراثي
    • أحمد حسين- شعر >
      • قراءات في ساحة الاعدام >
        • قراءات في ساحة الإعدام
        • مقاطع من قصيدة "جفر الشاعر"
        • المجازر
        • امرأتان في قصيدة واحدة
        • صلاة لامرأة في الخمسين
      • ديوان ترنيمة الرب المنتظر >
        • قصيدة ترنيمة الرب المُنتظَر >
          • العودةُ في النار
          • قصيدة أخرى من الشعر المباشر
          • حديث البوم
          • الغناء البكاء
          • رسالة إلى أم القدس
          • رسالة إلى م. د.
          • الرفض
        • انتظار الجسد >
          • الخمرة قبر
          • الخمرة وطن
          • الخمرة مذبحة
          • الخمرةُ جسدُ امرأةٍ في المخدع
          • صلاة بالعربية
        • عن بائع أثريات في الناصرة >
          • الحدود
          • الأشياء الصغيرة
          • أبي
          • العدَّاء
          • لقاء
          • الطيِّبون
      • كتابات عن أحمد حسين >
        • bassamka3bi
        • adelsmara
        • rashadabushawar
  • فوزي البكري
    • بطاقة شخصية
    • زجليات >
      • زجلية بي ام في (BMV) - فوزي البكري صعلوك القدس
      • زجلية آه يا قمر - قوزي البكري صعلوك القدس
      • زجلية جَلَسَت - فوزي البكري صعلوك القدس
      • زجلية على دلعونا- فوزي البكري صعلوك القدس
      • زجلية اللجنة المشتركة- فوزي البكري صعلوك ا
      • زجلية برد الضفة الغربية - فوزي البكري صعلوك &
      • زجلية يا قدس- فوزي البكري صعلوك القدس
      • زجلية انتلجنسيا- فوزي البكري صعلوك القدس
      • أغنية آه يا ايو الغلابة يا قمر للفنان جميل ا&
    • تكريم الشاعر- أفلام
    • معرض صور >
      • فوزي البكري - صور شدِّي حيلك يا بلد
      • فوزي البكري - صور
      • فوزي البكري - صور كتبه
      • فوزي البكري - صور وثائقية
      • فوزي-صور مع عائلته ومعارفه
      • فوزي-باقات شعرية
      • أسبوع الشاعر فوزي البكري
    • الشيخ ياسين البكري
    • ديوان صعلوك من القدس القديمة >
      • صعلوك من القدس القديمة >
        • زيارة.. بلا رتوش
        • على أطلال المدينة
        • عندما ينتصر الجنون
        • نجمة مسحورة
        • وتقول جارتنا العجوز
        • هل يسقطُ بيتُ المقدس؟
      • نطق الأمير.. فهل سينطق مدفعه؟ >
        • باقة ورد على قبر فرعون
        • آهات.. لا تحمل معنى الحسرة
        • حين يرتفع صوت العهر
      • ملحمة صغيرة >
        • في صحة الله
        • إلى روح والدي
        • أمل
        • موال.. في عشية عَرارية
        • في رحم الليالي
        • الوردة والعصفور
        • إليها في حدادها على الحياة
        • إليها في زمن القحط
      • عيناك >
        • أحبُّكِ.. ولو كان اتهاماً
        • من التي؟
        • في أذن مغرورة
      • المازة ترمس >
        • سهرة للديك
        • إشربْ
        • في الحي الحزين
      • بُكائية بلا دموع >
        • شريط على هدية
        • إلى روح إبراهيم طوقان، شاعر فلسطين
        • إيمان
        • همسة في أذن الكادحين
    • ديوان قناديل على السور الحزين >
      • قناديل على سور المدينة >
        • يا قدسُ لا تنتظري
        • وسيبقى المسجد الأقصى
      • زغاريد في عرس الزنابق >
        • دعوة بالحضور إلى الميت الذي لا يموت
        • رشة بلسم على الجرح العبقري
        • أوثان يُقبِّلُها جميع الأنبياء
        • كل ضحية وأنتم بخير
        • حجرٌ على مستنقع الصمت
      • حلم في لحظة واعية >
        • كابوس
        • بدون الهام
        • في حلق الحاقد شوكة
        • تائهان على الطريق
        • مسافرون في الوهم
      • أنشودة للوطن >
        • منشور
        • أيار. . رمـز النضال
        • شرارة تحت القمة البيضاء
      • زقزقات على كرز الحرملك >
        • عنواني
        • عيد
        • خبيثة
        • إلاَّ أنني شاعر
        • مُسافران
        • قلبان
        • مجنونة
        • رسائل بلا عنوان
        • مقدسية
        • تعالي.. على غير مهلٍ
        • عجولة
    • كتابات عن فوزي >
      • مقدمة ديوان قناديل- احمد حسين >
        • جميل السلحوت :فوزي البكري شاعر القدس بامتي
        • لا صعاليك في فلسطين
        • قناديل فوزي البكري-غريب عسقلاني
        • قناديل الكلام المُرّ
        • قصيدة من ديوان فوزي البكري
        • فوزي البكري: رهين درب الآلام
      • عفيف سالم وقصيدة شرارة >
        • قراءة في أضواء
        • Lamps on the sad wall
        • قناديل البكري-رزق صفوري مقالة1
        • قناديل البكري-رزق صفوري مقالة2
        • مقدمة ديوان صعلوك-عادل سمارة
        • القدس في الشعر الفلسطيني الحديث
        • فوزي البكري.. صعلوك القدس الشاعر المثقف وال&#
  • مخمر الموز
    • جديد... كتاب مخمر الموز، القدس 4 أيلول 2020
    • جديد... شهقات في أشرعة الجمال... 31/10/2020
  • مكتبة الكترونية
  • صعلوك من البلدة القديمة
  • قناديل على السور الحزين

محطة الباصات المركزية

Picture



عندما أقرأ الصحيفة، في الأحوال العادية، يكون معنى ذلك أنني قد قرأت جميع عناوين الصفحة الأولى وبعض العناوين الداخلية. وإذا كنت لوحدي تمعنت صور فتيات الإعلانات، لأنهن غالبًا ما يكنّ في وضع أنثوي بالغ التحدّي. وأنا أحبّ جسد المرأة حتى على الورق، ولم يحدث في حياتي أن أهملت تحديًا من أي نوع حتى ولو كلفني ذلك الكثير كما يحدث غالبًا.

 

هذه المرّة قرأت معظم أخبار الصفحة الأولى، كلمة.. كلمة. ولم أهمل منها سوى الأنباء المحلية التي لا تعنيني كالعادة، لأنها إمّا أن تكون عن الانتخابات، وهذه قضية عائلية يهودية ومن الصفاقة تدخل الغير في الشؤون العائلية للآخرين، وإمّا أن تكون عن ارتفاع أجور السفر، وهذا ما سيتكفّل أي سائق باص بإخباري عنه دون أن أطلب إليه ذلك.

 

ثم انتقلت إلى الصفحات الداخلية.

 

الأرق ليس مجرّد يقظة في غير محلها، كما إن الرصاصة في الرأس أو الإصبع في المؤخرة أو المستوطنة في نابلس ليست كذلك. الأرق كابوس لا يخصّ النوم أو اليقظة! حالة بين الاثنتين، يترتب عليها تغيير في السلوك وخروج على العادة بشيء يخص المكان ربما أكثر مما يخص الزمان؛ فهو يشبه وجود الإنسان في أرض مألوفة وغريبة في نفس الوقت، يعرفها ولا يعرفها، له وليست له، جغرافيا غير كونية عائمة في تاريخ أسطوري بدون كثافة على الإطلاق.

 

وكل هذا مقدمة. القصة لم تبدأ بعد.

خرجت على العادة، وقرأت أخبار "كامب ديفيد" بحذافيرها. وخرجت على العادة، فقمت لأتبوّل حوالي الساعة الواحدة صباحًا. وخرجت على العادة فأحسست بالجوع فتركت الصحيفة وقمت أفتش عن شيء آكله.

 

لم أجد شيئًا محددًا أُشبع به جوعي فأكلت كل ما وجدت مما يؤكل.. قطعة خبز صغيرة بجبنة صفراء، قطعة من المقانق بدون خبز، حبة جوافة، حبة بندورة مع رأس من الفجل. أكلتها بترتيبها هذا، لأنني أكلت ما وجدت حسب الأفضلية.

 

كل هذا تابع للمقدمة، والقصة على وشك أن تبدأ.

 

أعدت نفسي إلى الفراش وعدت إلى الصحيفة. قرأت حادثتي اغتصاب وحادثة رشوة وعدّة حوادث سرقة متنوعة، قبل أن أقع على ذلك الخبر اللعين:

 

"اكتشافات أثرية جديدة في منطقتي القدس والنقب".

كان هذا هو العنوان وليس فيه ما يلفت النظر في الأحوال العادية.

 

"اكتشف فريق من المنقبين بإشراف البروفسور ي. روزنبلوم عدة قطع من الأواني البرونزية عليها كتابات باللغة اليونانية تعود إلى فترة عصر الآباء. وكان فريق آخر بإشراف الدكتور هـ. يدين قد اكتشف بالقرب من نفس المكان قطعًا من العملة الرومانية تعود إلى فترة المكابيين. ويُعتقد أن هناك..."

كان كل هذا مقدمة. والآن تبدأ القصة.

 

يبدو أنني نمت، بل لقد حدث ذلك على الأرجح، إذ أنه لا يوجد شارع أسفلت في الغرفة التي كنت نائمًا فيها، ولا جبال أو سهول أيضًا. والأمر حدث عندما كنت أسير على أسفلت وعن يميني منطقة جبلية وعن يساري سهل ممتد ومن حولي ليل شفاف غير حالك السواد.

خرج عن يميني. لا أدري كيف، ولا من أين، إذ أنني لم أره إلاّ بعد أن جاء. وعندما نظرت إليه لم أر شيئًا سوى بقعة من الليل أشدّ سوادًا مما حولها. مشكلة، ولكنها غير واضحة المعالم، تشبه بيدرًا أسود كبيرًا؛ واسع عند قاعدته ضيّق عند قمّته، ثم أخذ يكبر في كل الاتجاهات ويقترب منّي ببطء مخيف كغمامة من الدخان، ثم جاء الصوت:

-   أنت سيارة!

كان صوتًا ضخمًا وصارمًا، ولكنه كان غريبًا أيضًا. صوت وليس صوتًا. أبعاده لا تُحدّ، ومصدره كلّ مكان. وحين وعيته لم يكن لأذنيّ دخل في الأمر أكثر من أي عضو آخر في جسدي؛ سمعته حتى بأطراف أصابعي. وقد يكون الخوف هو السبب، ولكن ما كنت أشعر به لم يكن أيضًا خوفًا عاديًا. كان خوفًا كبيرًا بحجم وجودي نفسه ولكنه كان خاليًا من الذعر أو الذهول. خوف واعٍ مستسلم لخطر محقق لا فرار منه. وفجأة اختفى، أعني الخوف، وحلّ محله شعور بالحذر والهيمان يكاد يكون لذيذًا، وقال الصوت:

 

-   أنت سيارة!

قلت:

-   نعم!

 

وأحسست كيف تكونت عجلاتي، وتحوّل جسدي إلى هيكل سيارة صغيرة من نوع "الجيب". وكانت عيناي هما المصباحان الأماميّان بينما ظلّ في مكان ما من المقدمة عقلي في كامل وعيه. كنت سيارة تحمل كل الصفات البشرية الخفية في كل جء منها؛ العجلات تحسّ، المقعد، الصندوق، المقدمة.. كل جزء بدا وكأنه يحمل إحساسًا سابقًا على وجوده ذاته.

 

وشعرت به وهو يحط على المقعد الأمامي، وتصلبت عجلاتي.

كان ثقيلاً جدًا، ولكنه كان خفيفًا أيضًا.

كيف؟ لا أدري.

 

أحسست بكل حركة قام بها منذ أن جلس في المقعد، إلى أن أحسست بذلك الهيجان في داخلي عندما ضغط دوّاسة البنزين وانطلقت بأقصى سرعتي في ذلك الأسفلت الطويل.

كان الليل ناعمًا هادئًا، والطريق خالٍ من العوائق والسيارات. أحسست بلذة حقيقية في أن أكون سيارة، خاصة عندما زاد من ضغطه على دوّاسة البنزين فأحسست بأنني أطير عبر هواء مكيّف في عالم مسحور.

أمّا هو فقد كان مجرد إحساس بالثقل والخفة فوقي، لم أحس له شكلاً محدودًا. وفجأة بدأ يغنّي. لم أدر ماذا قال ولا كيف، فقط أحسست أو سمعت بجسدي كله، أي بهيكلي، أنه يغنّي. ولم يكن غناؤه جميلاً أو قبيحًا، كان غريبًا ككلّ الأصوات الخفيّة.

كنت في أقصى سرعتي، أحسست بذلك بوضوح. وكنت أفكر إلى أين نحن ذاهبان حينما حدث ما حدث. كان الأمر مفاجئًا إلى درجة مذهلة وغير معقولة، إذ كيف يحدث أن يكون بمثل هذا القرب قبل أن أرى تلك المصيبة التي برزت فجأة! الأسفلت خالٍ من المنحنيات، ومع ذلك فقد وجدت نفسي دفعة واحدة أمام ذلك الإطار المربع من الأضواء وهو يقترب ويكبر ويقترب ويكبر.

كان بعرض الأسفلت كلّه، وبثلاثة أضعاف ارتفاعي أو أكثر، ومع ذلك فقد ظلّ يزداد عرضًا وارتفاعًا إلى أن أصبح قبالتي مباشرة. جرار من تلك الجرارات الضخمة التي تحمل عشرة سيارات أو أكثر دفعة واحدة.

حاولت أن أتوقف، أو يبدو أنني فعلت، إذ إن الرعب وحده هو الذي كان حاضرًا في تلك اللحظة. أذكر ولا أذكر أنني حاولت الوقوف. ضغطت سرعتي إلى الخلف حتى أحسست بعجلتيّ الخلفيتين تتمزقان وارتفعت مقدمتي في الهواء. ولكن السيارة الأخرى لم تتوقف. غمرني الضوء وأحسست بلفح الصدمة قبل وقوعها وصرخت.

 

كان عرق يتصبّب، وصفحات الجريدة تغمر وجهي، ومؤخرة رأسي المستندة إلى حافة السرير تؤلمني. وجلست في الفراش وأنا لا أزال أرتجف. ولا أدري كم مضى من الوقت قبل أن هدأت أعصابي، ولكنني لم أدر ماذا أفعل؛ كنت أشعر بخوف شديد من النوم، إذ كان لديّ إحساس بأنني سأواجه الأمر مرّة أخرى إذا نمت، ولم يكن أمامي غير الصحيفة.

وقعت عيناي على الخبر نفسه. اكتشافات أثرية... ولا أدري لماذا تشاءمت منه وأحسست أن له علاقة بما رأيت وإن لم أستطع الربط بين الإثنين. وقلبت صفحات الجريدة بحثًا عن أخبار مهدئة ولم أجد سوى صفحة الرياضة. فحاولت القراءة فيها ولكنني لم أستطع، فعدت إلى التقليب. وشعرت بالنوم يغالفني، لكن ذلك الإحساس بالخوف لم يكن قد غادرني بعد. بل إنني كنت ما أزال أحسّ ببرودة العرق وبرجفة خفيفة داخل صدري وأمعائي. وضحكت من نفسي حينما عاودني ذلك الإحساس بالتشاؤم والخوف. إن السبب في ذلك الكابوس هو الطعام الغريب الذي التهمته قبل النوم. ويجب أن أقرأ قليلاً لأعطي المجال لمعدتي لتهضمه قبل أن أعود إلى النوم.

"...احتمالات لاكتشافات أخرى جديدة، إذ إن تلك المنطقة غنية كما يبدو بكنوزها الأثرية، وقبل عام فقط عثر بعض الرعاة العرب على أوانٍ زجاجية في إحدى المغاور كانت تحمل كتابات ورسوم فينيقية، وقد تبيّن بعد الفحص أنها تعود إلى عصر القضاة. ومما يذكر في هذا المجال أنه قد عُثر قبل شهور بحوزة بعض البدو في النقب على أدوات للزينة (عقود، وخلالخيل، وميداليات) مختلفة، زجاجية وبرونزية، بعضها يعود إلى فترة الحشمونائيم والبعض الآخر كنعاني من عصر الآباء. وقد عثر هؤلاء البدو عليها... في... أحـ... المـ..."

شعرت هذه المرّة بخوف ممزوج بالغضب والعناد، خرج كما في المرّة الأولى من حيث لا أدري وفي نفس المكان الذي ظهر لي فيه في المرّة الأولى. بدأ يكبر ويقترب ويكبر ويقترب إلى أن غمرني كما في المرّة السابقة. ومع اقترابه وتعاظمه كان خوفي وغضبي يتعاظمان يدًا بيد. وكان العناد يطغى على الإثنين معًا؛ لن يحدث لي ما حدث مرّة أخرى. ليكن ما يكون فإنه لن يكون أسوأ من التجربة الأولى.

 

وقال الصوت:

 

-   أنت سيارة.

 

عضضت على شفتيّ ولم أقل شيئًا.

 

-   أنت سيارة!

كان الصوت أضخم وأكثر حدّة، ولم أقل شيئًا إلا أنني شعرت بالخوف يتعاظم.

 

-   أنت سيارة!

كان الصوت مرعبًا حقًا هذه المرّة، وشعرت بإرادتي توشك أن تفلت منّي، بل شعرت أنه من المؤكد أنني سأقول نعم في المرّة القادمة، فوثب الرعب والعناد معًا في صدري وصرخت من أعماقي:

 

-   كلا.. أنا محطة الباصات المركزية.

 

من أين جاءتني هذه الفكرة. لم أعرف أبدًا. ولكن الشيء حدث. بدأت أمتدّ وأنداح كرغيف الخبز في جميع الاتجاهات، بعيدًا، بعيدًا، بعيدًا إلى حدود أجهلها. سهول وجبال وأنهار وغابات التهمها ذلك الطوفان من الاتساع الدائري وأخذت تصغر وتغيب في اقترابها النسبي من مركزه إلى أن أصبحت مجرّد نقاط صغيرة على خارطة كبيرة. أمّا ذلك الشيء الأسود المسكين فقد ظلّ يصغر ويصغر وأنا أراقبه من كل الجهات إلى أن تلاشى نهائيًا.




Web Hosting by iPage